جاسر عبد العزيز الجاسر
يلوم العديد من الكتاب والمحللين السياسيين الولايات المتحدة الأمريكية لتراخيها في مواجهة التمدد الإيراني الذي انتهجه النظام منذ انقلاب الخميني، الذي اعتمد الأسلوب الطائفي مستعيراً كثيراً من الأساليب العرقية، ولذلك جاء دستور إيران متضمناً كثيراً من المواد التي تؤكد على طائفية الحكم وعنصرية القومية، إِذْ تعد إيران الدولة الوحيدة التي ينص دستورها على وجوب أن يكون مذهب رئيس الدولة من مذهب محدد، وأن يكون منتمياً لقومية عرقية لا غيرها، ومع هذا تتعامل مع هذه الدولة جميع الدول دون حرج رغم تدخل ودس أنف أعوان النظام الإيراني في الشؤون الداخلية للعديد من الدول وبالذات المجاورة، والغريب أن تلك التدخلات مبنية على ادعاءات بممارسات يقوم بها النظام الإيراني دون غيره.
نعود إلى عدم مواجهة النظام الإيراني من قبل أمريكا والغرب رغم اتفاقهم على أن النظام أحد رعاة الإرهاب الدولي والإقليمي، ورغم أن تلك الدول لا تزال تصنف نظام ملالي إيران على أنه أحد رعاة الإرهاب إلا أنهم يتعاملون معه كأي دولة في المجتمع الدولي، بل وتتقاطع مصالحهم ومنها تعاملهم مع موضوعي احتلال العراق وأفغانستان.
هذا شيء واضح وملموس بل مشاهد في العلاقات الدولية، إِذْ ترى كثير من الدول أن مصالحها تتطلب التعامل مع دول اخرى تصنف كدول معادية، في مراحل معينة وفي مناطق محددة من العالم نتيجة قراءات ونظرات استراتيجية ليست بالضرورة تتطابق مع قراءات ومصالح دول اخرى، حتى وان كانت تلك الدول حليفة أو ما يقال عنها شريكة استراتيجياً، وهو بالضبط ما نراه في تعامل أمريكا بالذات وبعض الدول الغربية مع النظام الإيراني، فواشنطن ترى وفق مفهومها وقراءاتها لما يجري في المنطقة أن بعض مصالحها تتقاطع مع مصالح النظام الإيراني في المنطقة، وبالذات فيما فعلته في العراق وأفغانستان، وهو موضوع يطول شرحه ولعلاقته بتأمين سلامة وبقاء الكيان الإسرائيلي ومواقف الجماعات الإرهابية من كلا المكونين الإسلاميين السني والشيعي، وسواء كان الأمريكيون على صح أو خطأ، إلا أن الإيرانيين حصدوا نفوذاً ومكانة استراتيجية في المنطقة العربية وبالذات في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وسوف يقتنصوا أي تراخٍ عربي وتكاسل عربي لتوسيع نفوذهم وهنا ومثلما توجه الأمريكيون لما يعتقدون أنه يحقق مصالحهم، توجه الإيرانيون كذلك، أما العرب.. العرب جميعاً والدول الإسلامية السنية فهم المقصرون في التعامل مع المتغيرات وعدم التوحد لمواجهة التمدد الإيراني والتجاهل العربي، ومهما بذلت وعملت دولة أو أكثر للقيام بهذه المهمة، فإنها لا يمكن أن تنجز ما سينجزه الجميع إِذْ ما توحد للتعامل مع هذه المتغيرات، وإذ كانت المملكة العربية السعودية ومعها بعض دول الخليج العربية وإلى حد ما مصر والأردن فإنَّ العمل لا يكتمل إلا بانضمام جميع الدول المهددة وهي الدول العربية والدول الإسلامية الأخرى كتركيا وباكستان وأفغانستان وصولاً إلى دول آسيا الوسطى.