إبراهيم إسماعيل
من الواضح لدى كل متابع للمشهد المروع والمحزن في المنطقة العربية أن هناك اختلالاً بل عبثاً عنيفاً في موازين القوى لصالح المحور الفارسي الشيعي، وعند النظر إلى ميزان القوى العالمي خلال السبعين سنة الماضية نجد أن الدول الكبرى التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية حرصت أشد الحرص على عدم السماح بالعبث أو الإخلال بميزان القوى هذا في مختلف مناطق العالم وتحديداً في العالم العربي بُعيد إنشاء الكيان الصهيوني لضمان تفوق إسرائيل العسكري وغير العسكري على كل الدول العربية المحيطة بإسرائيل مجتمعة، وما زال هذا قائماً إلى الآن، وإلى أجل غير مسمى.
لكن عندما نمعن النظر في ميزان القوى الإقليمي بين الفرس والدول العربية، نجد أن الدول الكبرى في العالم سمحت باختلال هذا الميزان لصالح الفرس بل وساهمت في هذا الاختلال الفادح مساهمةً، ولم يكن الفرس ليستطيعوا العبث بهذا الميزان بدون هذه المساهمة الفعالة والحاسمة، إضافةً طبعاً إلى الضعف والتفكك الواضح لدى الدول العربية بعد غزو صدام حسين للكويت الذي كان سبباً رئيسياً لكل ما أتى بعده من كوارث.
فلماذا حدث كل هذا...؟
سأحاول الإجابة أو على الأقل فتح نوافذ للتفكير في هذا الأمر.
عندما غزا صدام حسين الكويت بغباء قل نظيره (وأنا كنت ومنذ الدقيقة الأولى لهذا الغزو الغبي ضده ومازلت) قامت الدول الكبرى بإنشاء أكبر تحالف عسكري بعد الحرب العالمية الثانية لطرد صدام حسين من الكويت (وهذا عمل مقبول)، لكن الذي رأيناه لاحقاً إخلال فادح في استقرار دول المنطقة (الفوضى الخلاقة) لصالح الفرس وعملائهم من الأقليات الشيعية، بدليل تسليم العراق لإيران وصولاً إلى المشهد الكارثي الذي نراه اليوم في المنطقة الذي تَمثَّل بإطلاق يد إيران في احتلال بعض الدول العربية بشكل مباشر، كما هو حاصل في العراق وسوريا، أو غير مباشر عن طريق عملائها من الأقليات الشيعية كما هو الوضع في لبنان واليمن.
إن هذا المشهد الكارثي والمروع لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لاستنتاج أن كل ما يجري اليوم من تسليح للعصابات الشيعية وقتال الفرس بشكل مباشر في الدول العربية وقيادتهم للمعارك فيها واستخدام كل الفصائل الإرهابية من نصرة وداعش وغيرها وإحباط كل محاولات الأغلبية المعتدلة ومنع تسليحهم المناسب للدفاع عن أنفسهم تحت ذرائع كاذبة ومضللة كما هو حاصلٌ مع العرب السنة في العراق ومع الأغلبية السنية في سوريا الذين يبادون علناً على أيدي العصابات الفارسية والشيعية والعصابات الداعشية، ما هو إلا جزءٌ من المخطط الهادف إلى تمكين الفرس من العبث بميزان القوى في المنطقة.
لكن هل هذا المخطط المجرم قابل للحياة على المدى الطويل ضد إرادة الأغلبية الساحقة في المنطقة وهل تملك الأقليات الشيعية وأسيادها الفرس الإمكانات والموارد اللازمة لاستمرار هذا العدوان والإخلال الفادح بموازين القوى على المدى الطويل..؟
أنا أشك في هذا لأنه ضد المنطق وضد طبائع الأمور، بل أعتقد أن كل ما يجري سيرتد سلباً على الفرس وعملائهم في المنطقة على الرغم من تآمر القوى الكبرى الواضح معهم.