د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** يلجأُ بعضُنا إلى إرهاقِ وقته ببعثِ ما يكتبُه مع أنه قد نشره في مطبوعته ووضعه في وسائط تواصله ثم يُتبع ذلك بالتوجه نحو الشخوصِ عبر مُعرِّفاتهم الرقمية مقتحمًا نوافذهم، وربما أشارت- من حيث لا يشعرُ مرسلُها- إلى أنويةٍ طاغيةٍ أو عدم ثقةٍ بمقدرة كلماته على الانتشارالذاتيِّ أو كليهما.
** هنا تبدو معادلةُ الرقم والشهرة هاجسين أمام ثللٍ من الكبار كما الصغار مع أن الرقمَ قد يحمل دلالاتِ فراغٍ وكذا الشهرة؛ فليست أكثرَ من قيدٍ مجتمعيٍّ يجعل العيون تُصوِّبُ والأصابعَ تشير ليختالَ المسكونون بالوهجِ المصنوع فيظنون أنهم ملاقو النجوم إن لم يجزموا أنهم النجوم.
** في بدايات تكوينه قرأ كتابًا اسمه: ( نجومٌ على الأرض ) ولا يذكر مؤلفَه، وربما سلخ عنوانَه مؤلفون متأخرون،وفي زمنٍ مضى كان النجومُ هم المغنين والممثلين وبعضَ اللاعبين، في حين ظلَّ الكُتَّابُ مع أوراقهم ومحابرهم منشغلين ببحوثهم ومؤلفاتهم ومقالاتهم غيرَ عابئين (أو معظمُهم) بما يجري في عوالم الأضواء والأنواء،وربما اقتعد عالِمٌ مقعدًا قصيًّا وافترش الصدرَ الأقلّ .
** لدينا أعلامٌ يتوارون داخل مكتباتهم ومع الصفوةِ الخاصة بهم ولا يكادُ أحدٌ يلتفتُ إليهم حتى إذا انفتحت دائرتُهم قليلًا ودَّ الجادُّون لو جثوا على ركبهم طلبًا لفيضِ علمهم، وفي مقابلهم من نأسفُ على الوقتِ الذي قد يُضطرُّ واحدنا لاقتطاعِه بصحبتهم إذ هم مركباتٌ من التمعلمِ والتمظهرِ المتوجةِ بالأهواء.
** تمر بنا حكاياتٌ غيرُ عابرةٍ عن تقاطع الأحقِّ بالمتحقق والأضألِ بالأكمل ؛فالوسيطُ الإعلامي الهادرُ قادرٌ على تبديل المواقعِ الثقافيةِ كسواها من المواقعِ الإدارية والاجتماعيةِ والسياسيةِ بفعل الصوتِ الصاخبِ المؤثر في صنعِ النجوميةِ المستعصيةِ على النقض، وربما جاءت الصورةُ الإعلاميةُ النمطيةُ لتصطفَّ في خدمة اسمٍ أو تنظيمٍ أو توجهٍ، وقد ينالُ ذووهُ شهرةً تكفيهم مؤونةَ تسويقِ مصالحهم بعيدًا عن الاحتمالات والقراءات.
** أتاحَ الفضاءُ المرئيُّ والرقميُّ للمتكئين في مراكيز المحاكماتِ وصايةً تبيحُ لهم الضغطَ على الرأي العام الرسميِّ والشعبيِّ لتمريرِ برامجهم ولو ذهنيًّا وتمثيلِ أنفسهم أمام المستقبلِين بسِمتِهم «الإصلاحية»، وقد يكونون متكسِّبين ومستفيدين وهامشيين،وقد يتغلفُ النقدُ بمصالحَ خاصةٍ هي هدفُ التكثيفِ.
** ويبدو أن منفذ النقدِ السلبيِّ أقربُ الطرق للانتشار؛ فأن تكون غاضبًا من كلِّ شيءٍ ولأيِّ شيءٍ سيخلق صدىً في النفوسِ المتعبةِ التي تألفُ التذمرَ وتعزفُ عن التدبر وتفضلُ الظنونَ على الحقائق والجنونَ على العقل والجرأةَ المتعجلةَ على العلميةِ المتيقنة.
** لا يبقى إلا الصحيحُ والصحيحون، ولا معنى حينها لانتشارٍ أو اندثار؛ فالراكضون في مسافات التعب من أجل سمعةٍ عابرةٍ أو انتفاعٍ مؤقتٍ سيتساقطون قبل الميل الأخير ، ويومًا سيكونُ الجميعُ عُزْلًا إلا من إشراق الذات بجميلِ الصفات؛ فمن يستطيعُ أن يقرأَ نفسَه كماهي لا كما يريدُ أن يقرأَها الناس؟ما أصعب الإجابة.
** الغبارُ ينحسر.