كلما استعدنا القراءة التاريخية السياسية اليمنية نجد أن هذا البلد لا ينفك دائماً من حاجته الماسة إلى تدخل الأصدقاء والجيران له لمساعدته في تجاوز أزماته السياسية والاقتصادية، كما أن اليمن لديه متلازمة أخرى في تاريخه السياسي لا تكاد تنفصل عنه جنوباً أو شمالاً فكل حوار سياسي ما إن ينفض حتى يتحول المتحاورون إلى ثكناتهم الحربية ليدخلوا في موجة صراع عسكري، فاليمن الذي عرف مؤتمر خمر عام 1965م بعد سقوط الإمامة من ذلك المؤتمر إلى أزمة عاصفة أطلق عليها آنذاك «حصار السبعين» للعاصمة صنعاء انتهى بتدخل خارجي (سعودي - مصري) أدى إلى انتقال سياسي للجمهوريين على حساب الملكيين، وتكررت الحالة في العام 1993م عندما تدخل الملك الراحل الحسين بن طلال ويجمع اليمنيين جنوبيين وشماليين على وثيقة (العهد والاتفاق) التي كانت مقدمة لحرب عنيفة في مايو 1994م أدت لاجتياح القوات الشمالية للجنوب، وكذلك كانت حال المبادرة الخليجية التي كانت مشروعاً سياسياً لفض الاشتباك على إثر ما يسمى (ثورة التغيير 2011م) لتأتي المبادرة وتأخذ اليمنيين في حوار وطني ما إن انتهى حتى بدأت سلسلة حروب شنها الحوثيون بتحرك عسكري أسقط المناطق الواحدة تلو الأخرى بداية من دماج ومروراً بعمران وصنعاء والحديدة والبيضاء ووصولاً إلى القصر الجمهوري الذي أعلنوا منه الإعلان الدستوري ليدخلوا اليمن وحكومته وأصدقاءه وجيرانه في مرحلة أخرى مما يجب التعاطي معه بكثير من الالتزام بالواقع السياسي.
ما فرضه الحوثيون في إعلانهم الدستوري في 6 فبراير 2015م ليس هو نهاية المطاف في الفعل السياسي (الطائش) والمضاد، إنما هو استدراك لتلك القوى السياسية الداخلية والخارجية للحالة المأزومة التي تستوجب عملاً جاداً بالاعتراف الخارجي إقليمياً بأن نصف قرن تكفي اليمنيين هدراً لإمكانياتهم وإضاعة لقدراتهم، ودول المنطقة تحديداً هي أكثر المعنيين بوضع اليمن المستمر في تصدير أزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية على مدار عقود.
التدخل الخليجي والعربي في الأزمة اليمنية يعتبر مدخلاً لحل واحدة من أزمات اليمن المتكررة، لكن لا بد وأن يكون لهذا التدخل مراعاة لمواجهة كل التقرحات في الجسد اليمني ليكون التعامل تعاملاً فعالاً يراعي تخليص اليمن أرضاً وشعباً من مشكلات متأصلة، فالحوثيون وعناصر تنظيم القاعدة والقضية الجنوبية وأزمة الأحزاب ترتبط جميعها بإطار واحد هو الحل الشامل الذي يبدأ من معالجة صحيحة لمشكلات تفاقمت على مدار نصف قرن لأنها لم تجد معالجة جذرية، وإن كان الظرف الراهن يحتمل هذا التدخل نظراً لما أصاب الأحزاب والتكتلات السياسية اليمنية بالوهن والضعف والتشرذم، وهذه هي الحالة التي نجحت من خلالها إيران بشكل محدد من التوغل الواسع سياسياً واستقطبت بعض القوى المتواطئة معها لتنفيذ أجندتها في اليمن.
حل القضية الجنوبية هو مدخل صحيح فمن خلاله تفقد (كل) القوى التقليدية اليمنية أطماعها في الجنوب، كما يمكن من خلال التعامل مع الجنوب كقضية سياسية كاملة الأركان وضع حد لتواجد العناصر المتطرفة والتعامل معها بشكل سريع نظراً للطبيعة الجغرافية الجنوبية المكشوفة، الحل الكامل للقضية في الجنوب سيتيح مرة أخرى للمجتمع الدولي فرصة كاملة للتعامل السياسي مع اليمن الشمالي وبتحميل الأحزاب والتنظيمات السياسية مسؤولياتها وفق خارطة طريق تشرف عليها الدول الإقليمية وبرعاية مجلس الأمن الدولي تبدأ بانتقال سياسي كامل وفق المبادرة الخليجية التي تبقى هي الأنموذج القادر على التعاطي مع الأزمات اليمنية القديمة والمستحدثة.
هذا العمل السياسي الكبير يلزم جهات التدخل الخارجي بإيجاد حلول كاملة لليمن شمالاً وجنوباً بداية من إصلاح مؤسستي الهيئتين السياسية والاقتصادية التي من خلالهما يمكن إصلاح وتأسيس اقتصاد وتنمية اجتماعية وتعليمية جادة وقوية على اعتبار أن «اليمن» هو العمق الاستراتيجي لدول مجلس التعاون وهو جزء لا يتجزأ من التكوين العربي.
- هاني سالم مسهور