د.ثريا العريض
يجب ألا ننسى في هذا التباري للمزيد من العنف أن ما يرسّخ تقبُّل فكر العنف وعدم مجابهته هو الخوف. التوأم السيامي الملتصق بالعنف.
وهما توأمان يجب أن يفصلا نهائيا وإلا تسببا في امتصاص كل إِنسانية الإِنسان وإعادته إلى التوحش.
الخوف مثل العنف متعدد التطبيقات، وملموس عاطفيا وإجرائيا. مؤسساتيا يأتي الخوف من أن ينجح العنيف الإرهابي في تحقيق رغبته ويقضي على الاستقرار والأمن. وفرديا يتولد الخوف من أن تصبح كفرد الضحية المقبلة لمن يؤمن بالعنف الجسدي ويمارسه. وهي مفارقة واضحة تتعب من يطلب التوازن بين الوعي والحماية. حيث التخلص من طغيان العنف لا يكون إلا بالتخلص من الاستسلام للخوف. فالعنف يملي رغباته الشائهة، والخوف يسمح بتنفيذها.
والتحدي للمشاهد والشاهد على عصره أن تبقى محايدا لتشهد بما يقع تحت مظلة التنمر وما يقع تحت مظلة تطبيق القانون.
وفي مثل هذه الأوضاع تبدو الحيادية موقفا خطرا، والصمت ملجأ أخيرا يجبر عليه كل من لا يستطيع ممارسة العنف ردا على الآخر.
الآن في كل ساحات التواصل تطغى على الأخبار المحلية والعالمية أخبار لا يجمعها سوى العنف الذي لا مبرر له حين يستخدم كردة فعل على فعل الآخر لفظيا أو فكريا.
وإذا كان العنف صيغة ملموسة لانعدام التحضر في التعامل البشري ، فهو حين يصبح مقبولا كصيغة للتعامل بين الأفراد مرفوض تماماً كما نراه في التعنيف الأسري، وتنمُّر الطلاب في المدارس، أو هوشات الحواري والتنادي إليها. لكن الأسوأ أن يصبح العنف صيغة التعامل رسميا ويتحول إلى قانون فعلي خارج القانون المثالي أو الشرعي. ثم لا يجد من يتذكر أنه غير قانوني أصلا ويوقف استشراءه كعرف مقبول.
لا يستفيد من أجواء الخوف والترهيب إلا من يريد أن يحكم خارج القانون. أو يشوه القانون ليسمح بالعنف.
والإرهابيون الذين يختفون تحت الأرض حين تقوى الجهات الأمنية ويخرجون إلى السطح حين تضعف خير مثال. سلاحهم الترويع والترهيب. وإذا استخدموا الترغيب فهو وسيلة للسماح بالممنوع والمحرم.
والترهيب سلاح ذو حدين.
الخوف لا ترفع غمته إلا حرية التعبير التي تفضح الملابس الوهمية لكل من يدعي العدل وتنفيذ الأحكام الشرعية. ولا تصبح ملابس العدل حقيقية بنقش مفردات دينية عليها.
جميل أن نفهم معنى حرية الصوت والتعبير.. فهي ليست سيفا آخر مرفوعا ضد سيف الإسكات والتعنيف، بل هي مرآة يجب ألا تكسر؛ ليرى المعنف والعالم الوجه الحقيقي للترهيب، وليقتنع الآخرون بأن الحل ليس في الاستسلام للخوف، بل في معالجة التدهور في المتقبلات.
قل «لا» باقتناع وشجاعة لكل ما لا تتقبله فكريا وجسديا. ولا تمارسه ضد الآخرين كردة فعل مبررة.
يجب ألا يسمح لأي كائن كان بأن يستغل موقع التحكم في مجريات الأمور ليتحول إلى سلاح يدعم المتنمرين على غيرهم. لكل إِنسان حق العيش في أمان وحق التعبير ومسؤولية ألا يؤذي أحدا بحريته تحت أي مبرر.