محمد سليمان العنقري
خلال افتتاحه لورشة عمل، في مركز إعداد وتطوير القادة، بعنوان: «تطوير كفاءة الموظف الحكومي لمواكبة المتغيرات الاقتصادية» التي ينظمها معهد الإدارة العامة بالتعاون مع البنك، ذكر معالي وزير الاقتصاد والتخطيط العديد من النقاط والتحديات حول الاقتصاد المحلي، ولعلّ أهم ما تطرق له هو نسب البطالة بالمملكة، حيث قال إنها تقل عن 6 بالمئة، كما وجّه بعض الملاحظات للقطاع الخاص والتي يُمكن أن ترقى إلى مستوى النقد.
وفيما يخص نسبة البطالة التي ذكرها، فهي صحيحة، لكنها عامة تشمل المواطنين والوافدين، بينما لم نقرأ بكلمته التي ألقاها حسب ما نقل بوسائل الإعلام أي أرقام حول نسبة بطالة المواطنين، التي تبلغ 11.7 بالمئة، حتى عند سؤاله عن عدد العاطلين من المواطنين والذي بلغ 651 ألفاً، اعتبر أن الرقم لن يتفق عليه الاقتصاديون، معترفاً بذات الوقت أن البطالة تحدٍ اقتصادي كبير، ويجب توفير فرص العمل للمواطنين كحق طبيعي لهم.
بداية، فإن نسبة البطالة العامة التي ذكرها الوزير لا قيمة لها بالنسبة لخطط التنمية الوطنية، فالوافدون قدِموا أساساً للعمل، ومن الطبيعي أن لا يكون بينهم بطالة وإدخالهم بنسب البطالة العامة هو استئناسي لا أكثر، بينما الخطط الاقتصادية لدينا تركز بديهياً على توفير فرص العمل للمواطنين، وبذلك فإن النسبة العالية التي أعلنت عنها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات والتي بلغت 11.7 بالمئة، وتخص المواطنين هي ما يعتد به ويُعتبر تحدياً للاقتصاد وهو ما يتضح من حديثه بأن الجهود تُبذل لتوفير فرص العمل، وبذلك فإن أي ذكر لنسب عامة تقلل من نسبة البطالة الحقيقية بالاقتصاد والتي تعني المواطنين والمخطط الاقتصادي لا قيمة لها، بل إن البنك الدولي وصندوق النقد يركزان في تقاريرهم حول الاقتصاد المحلي على نسبة بطالة المواطنين المعلنة رسمياً من جهة يرأسها وزير الاقتصاد وتتبع وزارته.
وفي قوله بأن الاقتصاد وفر ملايين فرص العمل، واستدل بوجود ملايين الوافدين بالمملكة على ذلك معقباً في ذات السياق بأن العمالة الوافدة مسيطرة على أغلب الفرص، ذاكراً بالتحديد وجود عمالة متدنية الدخل والكفاءة لهو دليل على أن الاقتصاد ولّد فرصاً كثيرة، لكن لأعمال بسيطة مما يعني أن تركُّز الإنفاق الحكومي والخطط الاقتصادية كان على أعمال أوجدت هذه النوعية من الفرص، وبذلك فإن تضمينه هذه النقاط يوضح أن توجهات الإنفاق رغم أنها كانت لتطوير البنية التحتية وإنشاء المرافق، لكنها أفادت قطاع التشييد بدرجة رئيسة، وهذا ما توضحه أرقام من يعملون بهذا القطاع والتي تقارب 50 بالمئة من العاملين بالقطاع الخاص، بينما لم يتواكب مع ذلك أي نمو ملفت بقطاع الصناعة والخدمات المهمة لتوليد فرص عمل جيدة للمواطن، وهذا ما تُسأل عنه وزارة التخطيط: لماذا تأخر كثيراً النهوض بهذه القطاعات كما كان متوقعاً حتى بخططها الخمسية التي تعدها؟
فالقفز فوق الرقم الحقيقي للبطالة التي تخص الاقتصاد، وتشكّل التحدي الأكبر له والتي تحدد العاطلين من المواطنين لن يغيّر من الواقع شيئاً لأنه وكما ذكرت الخطط التنموية تُعد وتُعتمد ويُرصد لها أموالٌ طائلة لكي توفر فرص عمل للمواطنين من الجنسين، ولا يُؤخذ بعين الاعتبار الوافدين لأن الاقتصاد المحلي معني بأبناء الوطن فقط، وهذا من البديهيات والمسلّمات، أما أن لا يتفق الاقتصاديون حول عدد العاطلين، فليس مهماً اتفاقهم من عدمه، بل الأهم هو حل مشكلة توفير العمل، فسنوياً يفد للسوق 200 ألف شاب وشابة يبحثون عن فرص عمل، والأرقام سترتفع إذا لم تحل إشكالية تسارع نمو القطاعات الاقتصادية كافة كالصناعة والخدمات عموماً، وإذا كان مهماً معرفة لماذا لا يتفق الاقتصاديون مع الرقم المعلن لعدد العاطلين، فذلك بسبب وجود نظام حافز الذي في آخر إحصاءاته والتي لم نعد نسمع أرقامها منذ سنتين، أوضح بأن المستفيدين يفوقون 1.2 مليون مواطن ومواطنة أي ضعف رقم العاطلين المعلن من مصلحة الإحصاءات، وبذلك فإن أي تساؤل حول دقة أرقام العاطلين يأتي من تضارب بأرقام تعلنها جهات حكومية مختصة بمعلومات سوق العمل، ومن المعروف أن حافز يركّز على من يبحث عن عمل، فأرقامه يفترض أنها أدق مما تصدره مصلحة الإحصاءات إذا كنا سنأخذ تعريف البطالة الدولي كقياس لمن هو عاطل فإن مكاتب التوظيف والإعانات تعطي دائماً أرقاماً حقيقية عن العاطلين، لأن من يُسجل بها هو الباحث عن عمل وجاد وقادر عليه، ومن هذه المعطيات يُفترض أن تعرف وزارة الاقتصاد سبب عدم اتفاق أو تساؤل أو دهشة الاقتصاديين من تباين أرقام العاطلين، وإن كنا قد سلّمنا بالاعتماد على أرقام مصلحة الإحصاءات كمصدر وحيد ورسمي، إلا أن تطوير طريقة إحصائها بعمل المقارنات مع حافز، سيعطي الأرقام الدقيقة لواقع البطالة الحقيقي باقتصادنا.
أما ما قاله الوزير حول ما يُفهم أنه ضعف بالقطاع الخاص، فقد ذكر بالتحديد قطاع المقاولات بضعف الخبرات فيه أو قلتها وكذلك القدرات الأخرى سواء التقنية أو المالية، فإن العودة لما ذكر في كلمته حول الإنفاق الضخم الحكومي بالاقتصاد والذي جعل من قطاع المقاولات هو الأكثر نمواً بالاقتصاد، يُناقض نقده لمنشآت القطاع فيُفترض أن تكون السنوات الماضية صانعة لقطاع مقاولات قوي، وبذلك فإن وجود ضعف بالقطاع تُسأل عنه الجهات الحكومية، فكثيراً ما نسمع مطالبات بتغيير نظام المشتريات الحكومي وتحويله لنظام فيديك العالمي، إذاً أليس من باب أولى أن تقوم وزارة الاقتصاد بمعالجة الإشكاليات التي تواجه هذا القطاع الحيوي سواء بتطوير أنظمة التصنيف لهم وكذلك معالجة نظام المشتريات وأيضاً طريقة تمويل شركات المقاولات لتيسير أعمالها والتي تُعد متعبة لهم حالياً، وكذلك تغيير طريقة صرف المستخلصات الحكومية لهم نظير مراحل إنجازهم بما لا يُوقعهم تحت ضغوط التمويل، وبالتالي التعثُّر عن سداد ما عليهم من التزامات كرواتب وغيرها.
أما ما يخص نوعية الاستثمارات التي تُعد ذات أفق قصير بحسب ما ذكره وزير الاقتصاد بأنها استثمارات لم تعتمد التقنية واستفادت من المحفزات أهمها رخص الطاقة، فهذه أيضاً تُعد ثغرة تنظيمية يُفترض أن تُسأل عنها أيضاً وزارة الاقتصاد والتخطيط: لماذا لم تُطالب منذ سنوات طويلة باستبعاد رخص الطاقة من أي دراسة جدوى اقتصادية لأي استثمار يُرخص.. ولماذا لم تضع معايير حول نوعية التقنيات وتحديثها حتى يبقى القطاع الخاص معتمداً على كفاءته بالتشغيل بمعزل عن أي محفزات أخرى، وتطوير منظومة الأعمال فيه عن طريق تحديث الأنظمة التي تعزز من قوته ودوره بالاقتصاد المحلي؟.
حديث معالي وزير الاقتصاد كان ملفتاً بجوانب كثيرة حتى لو أنه ضمن ورشة عمل، إلا أن ما نحتاجه حقيقة هو أن تحدد الأرقام من حيث أهميتها واعتبارها هي الأساس الذي ينظر له، خصوصاً بأرقام البطالة فما يبرز دائماً هو ما يخص نسب البطالة للمواطنين وهو الأهم، فمن غير المنطقي أن تتقدم الأرقام ما بين النسبة العامة لها، وما تُعنى بالمواطنين من جهة أخرى، فوزارة العمل تضع نسبة بطالة المواطنين بالمقدمة في تصريحاتها، وهذا هو الذي يركز عليه الإعلام والمختصون، وهو ما يُعد أولوية بالخطط الاقتصادية، ثم نسمع من وزير الاقتصاد تقديماً للنسبة العامة التي تشمل الوافدين، وهي التي لا تحمل أي أهمية أولية أو مقدمة عن نسبة البطالة من المواطنين التي تُنفق الأموال الطائلة لأجل حلها حالياً ومستقبلاً، كما أن البحث بما يُواجهه القطاع الخاص من عقبات أو إشكاليات وحلها يتقدم على توصيف وضعه الحالي، فمعالجة واقعه بما يحمل من إشكاليات أهم بكثير من وصف حالته ، لأن جزءاً من إشكالياته كان بسبب ترهل بالأنظمة المنظمة لعمله، فلو عُولجت سيكون تحليل وتوصيف واقع القطاع الخاص أكثر دقة في معرفة مشاكل بيئته الداخلية لتترك له معالجتها، لأنها ستكون بيده ووفق إمكانيات كل منشأة فيه دون تأثير من عوامل من البيئة الخارجية - أي العامة بالاقتصاد من أنظمة وتوجهات وحالة اقتصادية سواء أكانت نمواً أو ركوداً -.