محمد سليمان العنقري
حسم بيان مشترك ، من وزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة صدر قبل أيام ، الجدل الدائر منذ سنوات في وسائل الإعلام وبين المختصين حول نسب البطالة في المملكة ، حيث أوضح البيان ، أن مصلحة الإحصاءات العامة هي الجهة الوحيدة التي تعد الأرقام الصادرة عنها رسمية ، فيما يخص نسبة البطالة ، وما يندرج تحتها من معلومات حول أعداد العاطلين من الجنسين . وأضافت وزارة العمل بأنها لم تعتبر أن المسجلين ببرنامج دعم التوظيف حافز بكل فئاته أرقاما تمثل عدد العاطلين ، أو أنه يمكن استخلاص نسبة العاطلين من المسجلين بحافز ، وأن الوزارة ، تعتمد ما يصدر عن مصلحة الإحصاءات حول البطالة كأرقام ونسب رسمية ، تستند إليها بحسب ما يفهم من البيان المشار إليه.
ومن المهم القول ، بأن تحديد جهة الاختصاص لوسائل الإعلام والمختصين وللمجتمع عامة ، المقصود بها مصلحة الإحصاءات كمصدر وحيد للحصول على نسب البطالة وأعدادها وكذلك نسب وعدد المشتغلين له أهمية كبيرة ، لأن المصلحة هي المعنية بإصدار كافة المعلومات عن المملكة ، سواء الاقتصادية أو غيرها من المعلومات ، لأن إزالة اللبس لدى الجميع حول مصدر المعلومات الرسمي الذي يعد المرجعية الوحيدة للأرقام الرسمية ، يعين كل طرف على الوصول لأي معلومة بسهولة ، فيكفي أن يتجه للتقارير الإحصائية الصادرة من المصلحة للحصول على ما يريده من معلومات ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هل انتهى فعلا الجدل الدائر حول الأرقام الحقيقية لنسب البطالة ؟
فبحسب ما أعلنته المصلحة على لسان مديرها ، بأن الطريقة المعتمدة لديها لحصر نسب العاطلين ، تقوم على أسلوب دولي متبع بعدد من الدول يقوم على مسوحات لعينات من الأسر، وذكر ، بأن المسح الأخير شمل 30500 أسرة ، تم من خلاله التوصل إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 11.7 بالمئة ، وبعدد إجمالي 651 ألف عاطل ، منهم 258 ألف رجل و392 ألف امرأة ، وباعتبار أن هذه الطريقة عالمية ، ولها أسس ونماذج مستخدمة بكثير من الدول ، إلا أن عدد الأسر السعودية يقارب خمسة ملايين أسرة ، فهل مسح عدد تقل نسبتهم عن واحد بالمئة من الأسر يمكن أن يعطي نسبا دقيقة عن العاطلين ، وإذا كانت المصلحة لا تعتمد بمسحها على تعريف العاطل المعروف دوليا بأنه الجاد والقادر والباحث عن العمل ، فكيف يمكن اعتبار هذه النسبة الصادرة عن المصلحة دقيقة بما يكفي لعمل الدراسات حول سوق العمل ، واتخاذ القرارات الاقتصادية المناسبة لتوفير فرص العمل ، وتنشيط الاقتصاد بالاعتماد على الكوادر التي تأهلت بشهادات مهنية أو أكاديمية ، وتبحث عن العمل وتصنف كبطالة.
ثم إن أحد الطرق العالمية الشهيرة لحصر نسب البطالة هي مكاتب إعانة العاطلين، والتي تعتمدها دول متقدمة اقتصاديا وبأعداد كبيرة ، وترى في أسلوب المكاتب التي يأتي العاطل عن العمل بنفسه ليسجل بها أكثر دقة لمعرفة نسب البطالة ، وحصر الأعداد وتخصصاتهم ، لأنه ليس كل من لا يعمل يمكن اعتباره عاطلا إذا كان لا يرغب بالعمل ، أي لم يسجل في مكتب رسمي حكومي ، ليعرف نفسه كعاطل يبحث عن وظيفة .
فالإشكالية التي أوجدت الجدل في الأوساط غير الرسمية حول نسب البطالة بالمملكة ، يمكن اعتبار وجود مصدر آخر يوضح أعداد طالبي العمل والمتمثل ببرنامج حافز سببا فيها . فمصلحة الإحصاءات تصدر أرقاما حول البطالة بحكم تخصصها ، ووزارة العمل تصدر أرقاما من خلال برامجها ، يفهم منها أن هؤلاء عاطلون عن العمل ، ويبحثون عن وظائف ، حتى وإن كانت لا تعتمد نسبتهم كمؤشر للبطالة ، لكن هذا التباين بين أرقام الجهتين هو السبب في كل ما دار من جدل.
فاذا اعتبرنا أن دولا عديدة تعتمد في تحديد نسب البطالة فيها على الأسلوب الذي اعتمدته مصلحة الإحصاءات ، فإن دولا أخرى تعتمد أسلوبا مشابها لبرنامج حافز، أي أن النمطين موجودين لدينا ، وكلاهما يعدان من المعايير العالمية لحصر نسب البطالة.
مما يعني، أن على وزارة العمل بعد البيان المشترك الأخير ، أن تعيد صياغة مفهوم برنامج حافز ، وأن تعتمد شروطا واضحة فيه ، بحيث تمنع استغلاله للحصول على مبلغ مادي فقط لمدة عام لمن ليس لديه أي جدية بالبحث عن عمل ، أو حتى لا يرغب أساسا بالتوظيف ، لأن ذلك أوجد تشوها كبيرا بأرقام البطالة الرسمية، مع ما تم استنتاجه من برنامج حافز ، الذي لم تعتبره وزارة العمل أو أي جهة رسمية مصدرا لتحديد نسب البطالة. فتصحيح الصورة حول أرقام البطالة، يفترض أن يحسم بالشكل الذي يظهر الواقع كما هو ، ليس فقط باعتماد رقم مصلحة الإحصاءات ، أو حتى برنامج حافز، بل باعتماد الأسلوب الأفضل لتحديد نسب البطالة التي تعكس الواقع ، حتى يسهل على المخططين أو الباحثين بالاقتصاد معرفة واقع البطالة واتجاهاته ، ومدى ملائمة الخطط التنموية لتقليصها واستيعاب القادمين لسوق العمل سنويا .
الإحصاء له أهمية كبرى بكافة جوانب الاقتصاد، وبدون الوصول لأرقام دقيقة أو مقاربة جدا للواقع، لا يمكن أن تنجح الخطط التنموية بالوصول لأهدافها التي تطمح لها، والبطالة كمؤشر رئيسي لأي اقتصاد، فإن ما تتضمنه من أرقام يشير لمدى قوة وصحة الاقتصاد ، وكذلك مكامن الخلل فيه ، ولا بد من الوصول لصيغة منطقية تعكس واقع البطالة بعيدا عن الجدل حول الجهة التي تتولى هذه المسئولية، فجميعها أجهزة حكومية مكملة لبعضها ، وتهدف لخدمة الوطن والمواطن .