د. حسن بن فهد الهويمل
في إطار التغيير الحتمي لرجالات الدولة التشريعيين، ورجالات الحكومة التنفيذيين، الذي بادره خادم الحرمين الشريفين، برؤيته الثاقبة، وبعد نظره، الحصيف، سعدت المرافق، والمناطق بأوامر تعيين على سبيل التدوير، أوالتكرير، أو التجديد. وهي إجراءات مشروعة، ومتوقعة.
والناس المختلفون في رؤاهم، وتصوراتهم، ورغباتهم، يدوكون ليلهم، وأطراف نهارهم في الحديث عمن كُلِّف، وَشُرِّف.
ما يكاد يُجْمع عليه المتناجون التسديد، والتوفيق. فخادم الحرمين الشريفين لا يمكن أن يقدم نفسه لأمته بأَجْنحةٍ، ومناكب، ومجاديف ضعيفة.
وتجاربه المتنوعة، التي امتدت لأكثر من ستة عقود. وحضوره الفاعل مع من سبقه من الملوك، وفر له خبرات متعددة، تبعث على الثقة، والاطمئنان، وتَلَقِّي أوامره بارتياح، وتفاؤل.
نسأل الله له الثبات، والتثبيت، والسداد، والتوفيق. ومتى توفرت الأسباب، وجب التوكل:- {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
القصيم في الأوامر الجديدة، نُقِل منه أمير، وعين له أمير. بمعنى أنه أُخذ منه، وأُعْطي. فالمعادلة لم تكن صعبة، ذلك أن القصيم خبر أميره الجديد، وعايشه، وعرف فيه محققات النجاح، ولم يكن بحاجة إلى فترة مراقبة وانتظار.
لقد كانت لسموه مبادرات، واهتمامات، ومتابعات تنموية، وميدانية، تدل على أنه في مستوى المسؤولية.
المناطق الأخرى قد تفاجأ بأمير جديد، تحتاج معه إلى وقت قد يطول، لتبدي رضاها، أو تحفظها.
سَأطَّرِح الشكر، وحُسن الوداع للأمير الذي ترجل عن صهوة جواد، وأخذ بزمام جواد آخر، والثناء على أمير ترقت به إمكانياته، وسمعته من نائب إلى أمير. فالناس قد أَشْبعوا الأميرين من الثناء بما هما أهل له.
نسأل الله أن يجعلهما خيراً مما يظن الناس، وأن يغفر لهما ما يجهله الناس. وخير المسؤولين من يقول:- ولِّيت عليكم، ولست بخيركم. والخيرية كسب، وليست إرثاً، ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه.
هذه هي أخلاقيات الإسلام، التي عرفناها في قادتنا، ومِنهم.
وحين لا أُقَدِّم بين يدي نجواي صدقة، فسأدخل في الصميم. فالمواطن يهمه أن يجمجم الكُتَّاب عما يساوره، وما يتطلع إليه.
وفي النفس حاجات، وعند كل مسؤول قسط من الفطانة، وقد لا يكون السكوت دائما بياناً عندها وخطاب.
وإذ لا بد من التذكير، فإن خير المسؤولين من يصيخ إلى التأوهات، والتطلعات. ويجنح إلى سياسة الباب المفتوح، لاستجلاء الرغبات، وامتصاص الاحتقانات. وخير الكتاب من ينقل نبض الشارع بأمانة، ولا يقول إلا الحق.
فبلادنا، وتقدمها مسؤولية كل من نَعُم بخيراتها، وتمتع في أمنها، واستقرارها. وواجب الكتاب ألا يركنوا إلى الثناء، والتزكية، وألا يغفلوا عن حقهم. فولي الأمر يود من كل مسؤول، ومواطن أن يكون على مستوى مسؤوليته، وواجبه.
وإذ نتدافع كتاباً، ومواطنين في التنقيب عن حقوقنا، نسائل، ونطالب، فإن الإنصاف يستدعي معرفة واجباتنا، قبل حقوقنا. نؤديها راضين، طائعين. فالوطن لا ينهض مالم يكن هناك توازن بين الحق، والواجب.
والمسؤول لن يُذْعن إذا كان المواطن لحوحاً في حقه، مماطلاً في واجبه، وما شقيت البلاد إلا بمن يُزكُّون أنفسهم، ويسعون لمصالحها، وبمن يبالغون في الطلب، ويزيفون الحقائق، ويفترون الكذب.
لقد تلقت القصيم، وأهلها نبأ تعيين صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أميراً لمنطقة القصيم بالارتياح، وسعدت بهذا التكليف، لأنها خبرت أميرها، وعرفت فيه مؤهلات الإمارة، ومحققات النجاح.
وأهل القصيم يرتبون أمورهم، ليتعاملوا معه بهذا المستوى، وعلى ضوء تلك الإمكانيات. فكل مدينة، وقرية، ومركز، يتأبط أبناؤها ملفات مطالبهم، بانتظار انتهاء مراسيم الفرح.
وما كنت لأسبق الأحداث، ومرحلة التفكير، والتخطيط، وترتيب الأولويات، لولا أن الناس في لجة من الحديث، عما يتطلعون إليه، ويودون مبادرته بمعزمات البداية، وكأنهم يسبقون نثر الكنانة، وفرز السهام.
والأمير المعين يحمل في نفسه أشياء كثيرة، ومكتبه يفيض بالملفات المهمة، والأهم. ونبض الشارع يدفع بالرغبات، والتطلعات.
وبعد ضجة الفرح ستبدي لنا الأيام بعض ما يساورنا. والناس متفائلون، ومتكدسون على رصيف الانتظار.
الشائع، والمتداول أن القصيم أخذ قسطاً وافراً من المشاريع، وأن رجالاته، أخذوا مواقعهم في أجهزة الدولة. وتلك مقولات ألفناها فيما بين أبناء المناطق، والمدن، والمحافظات، تأتي مداعبة بين الأصدقاء، وتأتي جادة بين المختصمين، وتأتي بنبرة عالية بين المختلفين. وهذا القول حق مشروع، ولكنه لا يكون صادقاً بالضرورة.
فالقصيم يعج بحركة تجارية، وزراعية، وصناعية، وسكانية، وعمرانية، تفوق الإمكانيات المتاحة، وهو منطقة جذب، ينمو بالهجرة، والمواليد. ومن دخله، وخبره عرف ما هو عليه.
والحكومة بمهمتها التنفيذية، قد لا تكون غزارة العطاء عندها محفوفة بحسن التوزيع. وهنا يتحتم على المواطن أن يبادر الأمور، وأن يتواصل مع أصحاب القرار، مطالباً، أو معارضاً، أو ناصحاً، وهذا من أبسط حقوقه. ومن ضاق بالمناشدة، فليراجع نفسه.
ما أوده من المسؤول أميراً كان، أو وزيراً أن يستقر في ذهنه أن الموطن شريك في حركة التنمية، وأنه المستهدف بها، وهي في النهاية منه، وله. ومن حقه أن يتدخل في شأنها، ليُحَسِّن أداءها، ويعمم نفعها، ويُجَوِّد تنفيذها، ويضعها في مكانها المناسب.
ومتى اختلفت الآراء، فإن على الجميع تبادل الاحترام، ومعالجة الرغبات بأسلوب حضاري، لا يمس العلاقات الشخصية، فاختلاف المواطن مع المسؤول حول قرار، أو تصرف، يجب ألاَّ يمتد إلى ما سوى ذلك من تصرفات، أو قرارات، أو علاقات.