جاسر عبد العزيز الجاسر
كثرة التحليلات والكتابات التي تنشرها المواقع الإلكترونية، والتي يُلاحظ تعمد إخفاء كتَّابها أو من اخترع تلك التحليلات التي معظمها موجه للعلاقات العربية بدول مجلس التعاون، فمن خلال مدخل حتى وإن كان صغيراً أو بسيطاً يتوسع الأستاذ المحلل السياسي أو الإستراتيجي، وهو لقب ومهنة ألصقها بنفسه دون أن يحصل على مؤهل علمي أو مهني يتيح له إطلاق هذه التسمية الكبيرة، فضلاً عن عدم معرفة الشخص نفسه، وهذا ما يجعل (الأستاذ) يتوسع في آرائه واستنتاجاته التي يُشَرِّق فيها ويُغَرِّب دون حسيب أو رقيب. ومع أن هذه الآراء تظهر عدم واقعيتها وبعدها عن الواقع، إلا أنها -للأسف الشديد- تؤثر على قطاع لا يُستهان به من المتلقين والذين يشكلون نسبة من الرأي العام، والتي توجد شقاقاً واختلافات بين المجتمعات العربية وبالذات بين المجتمعات العربية التي تتعرض لأحداث دامية إذ تحاول تقارير تحليلات وأساتذة الإنترنت رميها على الدول العربية بعضها ببعض.
الغريب أن هذه التقارير والتحاليل التي تظهر زيفها منذ القراءة الأولى، تجد أن من يتبناها ويروج لها صحفيون وكتاب يصنفون أنفسهم من كتاب النخبة، وهم فعلاً نخبة، ولكن نخبة الترويج ونبش الخلافات العربية العربية، وأنهم كالجراثيم لا يعيشون إلا في الأجواء الموبوءة.
يعملون من زيارة قائد عربي لشقيقه القائد العربي الآخر في عاصمة عربية قصةً، ويؤلفون حولها سيناريوهات طويلة، وعن خلافات لا وجود لها إلا في عقولهم المريضة، ومع أن الزيارات المتبادلة بين قادة الدول هي إحدى أفضل الوسائل لتحسين العلاقات وتوطيدها ورفع مستواها، ولذلك نجد أن قادة الدول تفعِّل من هذه الزيارات، فلا يمر يوم إلا ونجد أكثر من زيارة بين العديد من قادة الدول، والدول العربية ليست وحدها التي تشهد مثل هذه الزيارات، فمن يتابع نشاط قادة الدول الأوروبية يجد أن برنامجهم لا يخلو عن هذا النشاط المستمر طوال العام. ومع هذا لا نرى استذكاءً من قبل كتابهم ومحلليهم السياسيين في تفسير وأبعاد تلك الزيارات التي يرونها كنوع من العمل السياسي والعلاقات الدولية التي تتعزز باللقاءات الشخصية، إذ كلما توطدت العلاقة بين القادة وفهم كل منهم الآخر انعكس ذلك إيجابياً على علاقات دولهم، ولذلك فإن أكثر الدول انسجاماً في علاقاتها السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية والعسكرية هي التي تتميز علاقات قادتها بالمودة.
كثرة الزيارات وتبادلها بين القادة العرب لابد وأن تعزز وتوسع مساحة الفهم والتفاهم بينهم، ولابد وأن ينعكس ذلك على علاقات المجتمعات العربية. وعلى الذين يختلقون القصص ويحبرون مقالات التحليل المخادع في المواقع الإلكترونية أن يكفوا عن هذه اللعبة الخبيثة التي لم تعد تنطوي على أي شيء من المهارة والخبرة، بعد أن انكشفت الأقنعة عن وجوه الكثيرين.