حمّاد السالمي
* من يتصور أن مصر قوية بدون المملكة العربية السعودية، أو المملكة قوية بدون مصر، أو العرب قوية بدونهما فهو واهم. إن الرياض والقاهرة؛ هما قطبا القوة في المنطقة العربية، فالرياض قطبها الشرقي، والقاهرة قطبها الغربي،
والتقاؤهما ضرورة سياسية وأمنية وتاريخية للعرب من خليجهم الهادر، إلى محيطهم الهادئ، فهذه البؤر الشريرة المشتعلة اليوم في كل قطر عربي تقريباً حول الخليج العربي، لا تطفئها أماني (القوم) ولا أحلامهم في تدمير العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تربط السعودية بمصر ومصر بالسعودية، فهي علاقات جغرافية ودينية وثقافية واجتماعية منذ مئات السنين، وزادت ترسخاً في عهد الملك المؤسس والموحد الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه، فقد بدأت بمعاهدة صداقة في 7 مايو 1936م في عهد الملك فاروق ملك مصر، وتولى بعد ذلك عبد الرحمن عزام إدارة المفوضية المصرية بجدة، والشيخ فوزان السابق إدارة المفوضية السعودية في القاهرة. فمنذ هذا التاريخ والعالم ينظر إلى هذين البلدين على أنهما قطبي العالم العربي، فهما محوري الشرق الأوسط، بما يمثلانه من حكمة وتعقل وتآلف أمام محاور الفرقة، وأن الرياض والقاهرة؛ هما: (جناحا الأمة العربية والإسلامية). وبقيت العلاقة بين البلدين متماسكة حتى في أحلك الظروف، متجاوزة كافة العواصف والقواصف التي مرت بالمنطقة خلال عدة عقود، حيث كان التعاون والتفاهم في ازدياد، والتضامن يبلغ مداه في التصدي للمخاطر الداخلية والإقليمية، وكانت الدولتان الأكبر المؤسستان لجامعة الدول العربية، هما نبض العالم العربي والإسلامي، والساعيتان لتحقيق مصلحة الشعوب العربية والإسلامية جمعاء.
* هذا التلازم السعودي المصري، أكده الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، في مقولته الشهيرة: (لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب)، وقوله: (السعودية ومصر بلد واحد). وقد ترجم هذا رحمه الله؛ بإقامة علاقات وطيدة مع مصر ، مؤكداً ذلك من خلال زيارته الشهيرة لمصر عام 1946م، بعد زيارة الملك فاروق للمملكة عام 1945م، وهى الزيارة الوحيدة التى قام بها خارج الجزيرة العربية، وقد كان لهذه الزيارة أثرها الكبير في تطور العلاقات بين البلدين. وقد كان من رأي الملك عبد العزيز أن خط الدفاع الأول في تاريخ العروبة هو خط مشترك بين السعودية ومصر. وكذلك كان المغفور له الملك سعود أول ملك عربي زار مصر إثر قيام ثورة 1952م. وتلا ذلك زيارة أول رئيس للجمهورية المصرية للسعودية الرئيس محمد نجيب رحمه الله، الذي قابل الملك عبد العزيز وأجرى معه مباحثات بالطائف عام 1953م.
* وكان للمملكة موقف مشرف أيام العدوان الثلاثي على مصر؛ معنوياً ومادياً وعسكرياً، حمل الشباب السعودي السلاح للوقوف مع مصر، وكان على رأس المتطوعين عدد كبير من الأمراء الذين انخرطوا في التدريبات العسكرية بمصر وهم: (عبد الله الفيصل، فهد بن عبد العزيز، عبد الله بن عبد العزيز، سلطان بن عبد العزيز، مشعل بن عبد العزيز، مشاري بن عبد العزيز، نواف بن عبد العزيز، نايف بن عبد العزيز، سلمان بن عبد العزيز).
* وهذا هو الشيء نفسه الذي فعله الملك فيصل بن عبد العزيز رحمة الله عليه، فرغم الخلاف الكبير مع الزعيم جمال عبد الناصر، إلا أن لقاء الخرطوم عام 1967م بعد الحرب المشؤمة، مسح كل ذلك، فقد وقف الملك فيصل إلى جانب مصر بعيد النكسة، ودعا الزعماء العرب للوقوف إلى جانب مصر التي خسرت أكبر مساحة من الأراضي في تلك الحرب، وتألقت هذه العلاقات في عهد الملك فيصل والرئيس الراحل أنور السادات في حرب أكتوبر، فقد شهرت المملكة سلاح النفط في وجوه العالم كافة دعماً لمصر وتعزيزاً لانتصارها في الحرب، فقال السادات رحمه الله وقتها: (النصر الذي حققناه في حرب أكتوبر يرجع إلي الحكمة والمساندة، وروعة المعركة التي أدارها الملك فيصل).
* ثم يقول الرئيس أنور السادات : (إن الملك فيصل هو بطل معركة العبور, وسيحتل الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب, وتحويلهم من الجمود إلى الحركة , ومن الانتظار إلى الهجوم, وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت, فهو الذي تقدم الصفوف وأصر، على استعمال هذا السلاح الخطير , والعالم- ونحن - مندهشون لجسارته, وفتح خزائن بلاده للدول المحاربة, تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور والكرامة, بل لقد أصدر أوامره لثلاثة من أكبر بنوك العالم؛ أن من حق مصر أن تسحب ما تشاء وبلا حدود من أموال المعركة). وبعد أن ساند الملك فيصل مصر؛ باستخدام سلاح البترول؛ خرجت الجماهير المصرية كلها تستقبله في أغسطس عام 1974م فقال لها: (أحب أن أؤكد؛ أنني أعتبر مصر وطناً لي، وكلنا نعتبر أنفسنا مصريين، وكل محاولات للنيل من دور مصر؛ فإنه من قبيل المزايدات التي لا تجدي).
* وتمر الأيام؛ وتظل العلاقة بين البلدين في عهدي الملك خالد والملك فهد رحمة الله عليهما؛ وطيدة ومتطورة، ويأتي الغزو العراقي على الكويت سنة 1990م؛ لتقف مصر حسني مبارك مع المملكة في دعم الحق الكويتي ودحر الباطل الصدامي، وعندما وقعت مصر ضحية الجماعات الإرهابية، وانتفض شعبها ضد عبثية الإخوان وخططهم المهينة في 30 يونيو؛ جاءت وقفات مصيرية للمملكة مع شعب مصر وقيادتها الجديدة، فوقف الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله عليه إلى جانب الثورة، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي في (20 - 6 - 2014م) في زيارة خاصة لها مدلولاتها العميقة، ثم قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة للمملكة العربية السعودية بتاريخ (10 - 8 - 2014م)، وهذا ما يؤكد عمق الترابط بين القيادتين والشعبين في السعودية ومصر، وهو ما عبّر عنه صراحة (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز) حفظه الله، في مكالمة هاتفية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل عدة أيام.
* ما أبشع أعداءنا؛ من قرُب منهم ومن بعُد.. ما أجرؤهم على قول الزور وتزييف الحقائق، إنهم يزيِّفون ويلفِّقون ويدلِّسون، بهدف الإيقاع بين الرياض والقاهرة، وهذا مبعثه أحلامهم المريضة، وأمانيهم البغيضة، فالرياض والقاهرة؛ صخرتان متلازمتان، تتحطم عليهما أحلام الأمميين، وأماني الحزبيين، وخطط المتآمرين، إلى الأبد.. إلى الأبد.