د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
لم تكن ظهيرة يوم الاثنين الموافق 6/4/1436هـ عادية بالنسبة لي، ولا لأبناء أسرة المحمود كافة، حيث ترجَّل شيخها وفارسها، العم العزيز عبدالرحمن بن صالح بن عبدالله المحمود، حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى وودعنا إلى مستقر رحمته، وقد كانت خاتمته خيرا، كما كانت سيرته خيرا شملت القاصي والداني، وما عسى القلم أن يكتب عن والد كريم وعم حليم وعضد شهم ملأ حياتنا فضلا وسرورا، وإن كان لصدمة فراقه أنة حزن اختلت معها موازين التعبير إلا أنني أستطيع أن ألتقط بعضا من خيوط الذكريات الجميلة والمعاني النبيلة التي كان يشبعها من فيض مشاعره وحضوره الشخصي البهي.
لقد كان رفيقا لوالدي -حفظه الله وأطال في عمره- في المسرات والمضرات، وكان ممن عانوا شظف الحياة، وكابد مكدراتها ولم تلن له قناة، وظل طوال عمره المديد مرتبطا بخالقه ثقة وطاعة وتواصلا وحبا، وكان متصلا بخالقه مروءة وشهامة وكرما، وقد شهد له في يوم رحيله بسطاء الناس بأنه كان يعمر بيوت الله بالذكر والصلاة،كان داعماً لأعمال البر والخير، مقبلاً على أداء واجباته دون طلب من أحد، لقد خطَّ لنفسه أسلوباً في الحياة عزَّ نظيره، فكان هاشاً باشاً تقياً نقياً عرف الله حق المعرفة، وقدر الله حق قدره.
كان إذا علم بوفاة أحد من الأقرباء أو الأصدقاء أو أصدقاء أحد من الأسرة يبادر بالمشاركة بالصلاة والتشييع، لذا فلا غرابة أن يمتلئ المسجد بالمصلين، ولا عجب أن تكتظ المقبرة بالمودعين، ولا غرو قبل ذلك أن تمتلئ العيون بالدموع رحمة ورقة ووداعاً لا يخلو من الحزن العميق.
افتقدنا برحيله إطلالة جميلة، وبهجة رائعة، وابتسامة عريضة، لم يكن يبخل على سكان حيه وجميع من يعرفه بتلك الابتسامة المعبرة عن إيمانه الصادق بقضاء الله و قدره، التي ينبثق منها نسيم الأمل، صوت هادئ ومنخفض يلقي كلمات موجهة وموزونة تعبر عن مكانته الراقية عند كل شباب الحي وشيبهم، نعم كل هذه الصفات كانت في هذا الرجل الذي عاش في صمت ورحل في صمت تاركاً وراءه قلوباً باكية لطالما أحبَّته.
فما أعزَّ فراق الأحبة في فقيدنا الغالي، وأكثر الله من أمثاله الخيرين الطاهرين الطيبين الذين يزيدون مساحات الود بين الناس أولئك الذين يشهد لهم خلق الله بالخاتمة الحسنة.
إنَّ في النفس لوعات، وإنَّ في محاجر العيون دمعات، وإنَّ في المشاعر أنَّات لرحيل أحد الرجال المؤمنين الصادقين المخلصين. ولكن حسبنا أنَّ الفقيد قد ترك لنا ذكراه العطرة المشتملة على نقاء في العقيدة، وطهر في السريرة، وطيب في الشمائل، وصدق في النوايا الحسنة الطيبة، ولنا أن ننهل من هذه السيرة العطرة، والقدوة الحسنة، والخلق الرفيع النبيل، والكرم والجود في أرفع معانيهما.
فوداعا عمي وداعا، لكن ستبقى في ذاكرتنا، وسيبقى صوتك راسخاً في آذاننا، ستبقى ابتسامتك بين أعيننا، وداعاً أيها الرجل الطيب، رحمك الله وطيَّب ترابك، و نسأل الله تعالى أن يسكنك فسيح جناته.
عزائي لكل الذين أحبوه، وأخص منهم والدي العزيز عبدالعزيز بن صالح المحمود - حفظه الله وأطال في عمره وأمده بالصحة والعافية-، وإخوته أعمامي محمد وسليمان وعمر وأخواته عماتي: نورة ورقية، حفظهم الله وأسبغ عليهم ثياب الصحة والعافية، والعزاء موصول لأبنائه البررة: عبدالله وصالح وعلي وعبدالعزيز ومحمد وإبراهيم وسليمان وعمر وجابر وفقهم الله وأصلحهم.
رحم الله فقيدنا الغالي العم عبدالرحمن بن صالح المحمود، وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وأدعو الله أن يعوضه عن كدر دنياه بصفو الجنة ونعيمها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.