زكية إبراهيم الحجي
يُنسب إلى آرثر بلفور صاحب الوعد المشؤوم تصريحٌ تفوح منه رائحة الاستعلاء والعنصرية المقيتة.. إذ قال خلال كلمة ألقاها في مجلس العموم البريطاني بتاريخ 13-6-1910م مبرراً العدوان الاستعماري الغربي على المشرق «إن الأمم الغربية فور انبثاقها في التاريخ تُظهر تباشير القوة على حكم الذات لأنها تمتلك مزايا خاصة بها.. ويمكنك أن تنظر إلى تاريخ الشرقيين بأكمله دون أن تجد أثراً على الإطلاق لحكم الذات..
فكل القرون العظيمة التي مرت على الشرقيين انقضت في ظل حكم الطغيان». هذه هي نزعة التمييز والاستعلاء وعدم الاعتراف بالآخر التي تعشش في أعماق الوعي واللاوعي الغربي.. وتعيد إنتاج ذاتها بأثوابٍ جديدة في كل محفل.
المتأمل في العلاقات القائمة بين العالم الغربي والعالم العربي والإسلامي.. يهولُه مدى الخوف المشوب بالحذر والتوجس وما يتبع ذلك من تداعيات على مستوى السلوك وردود الأفعال بين الثنائيين.. الغرب يخاف الإسلام، والخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا بات يُترجَم تلقائياً إلى سياسات وممارسات عدائية ضد العالم الإسلامي والمسلمين نتيجة تَشكلِ مجموعة متعددة من الصور النمطية السالبة في العقل الغربي عن الإسلام والمسلمين منذ الأزل.. فهيمنة الإسلاموفوبيا لم تتشكل عفوياً في عقل الإنسان الغربي.. بل ثمة أطراف غربية متعددة استفادت من تسويق نظرية الخطر الإسلامي «الإسلاموفوبيا» في المجتمعات الغربية منذ عقود.. فكثير من زعماء وسياسيي ومفكري ومستشرقي دول الغرب لم يتوانوا في التنظير للبحث عن صيدٍ جديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانكماش الخطر الشيوعي الأحمر وانتهاء الحرب الباردة بين قطبي العالم.. وفور وقوع هجوم الحادي عشر من سبتمبر الذي تعرضت له أمريكا اتسعت أحداق عيون الغرب، واتجهت أنظارهم إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى الشعوب العربية والإسلامية، تبحث في ثنايا الشوارع الضيقة والفسيفساء الملونة والتاريخ الحافل بالصراعات وربما تحت العباءات السابغة هنا وهناك.. عن أسماء أو علامات تدل على مرتكبي الهجوم ومخططيه في الوقت الذي عميت فيه عيونهم عن عدائهم المتنامي ضد الدين الإسلامي والمسلمين وعن مشاعر الحقد الدفين والكراهية المتجذرة في نفوسهم.. عميت عيونهم عن ضحايا حروبهم في بلاد المسلمين والمعاناة المثقلة بالمهانة لمشاعر المسلمين التي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا.
وكنتيجة للمؤثرات في وعي ومدركات العقل الغربي أصبح مفهوم وهدف الإسلام في نظرهم لا يخرج عن كونه إسلاماً دموياً، يشجع على الإرهاب وسفك الدماء، ويشكل مصدر تهديدٍ للحضارة الغربية.. لا يملك فقهاً لقبول الآخر أو التعايش معه.. أما شعوب المجتمعات العربية والإسلامية فقد نالها ما نالها من اتهامات؛ فهي الموصوفة بالعنف الأعمى والإرهاب الوحشي.. هي شعوب تغيب عنها الديمقراطية، ويسيطر عليها الاستبداد.. شعوب عاجزة عن اللحاق بركب الحضارة الغربية أو منافستها.. وهلم جرا من اتهامات وأوصاف، الإسلام منها بريء.
إن استمرار الصورة النمطية السالبة وما تنطوي عليه من كراهية وعداء من غرب ينطلق في نظرته للإسلام والمسلمين من خلال أحقاد تاريخية دفينة، توارثتها أجيالهم المتعاقبة، تبقى مسيطرة على عقولهم وقلوبهم، أمرٌ خطير.. وإن لم يقف العرب والمسلمون وقفة الدفاع وليس الهجوم، وقفة التصحيح والتغيير وإزالة الحواجز التي تحول دون تعريف المجتمع الغربي بالإسلام وسماحته.. بمنجزات الحضارة الإسلامية التي كانت قائمة في يوم من الأيام، وكيف كان للغرب حظ السبق في نقلها إلى بلادهم.. فنحن من يتحمل المسؤولية نتيجة إخفاقنا نحن المسلمين في تقديم الإسلام وفكره ومبادئه الحقيقية إلى العالم حتى أصبح هذا العالم لا يرى من الإسلام إلا أنه دين التطرف الذي أنبت التخلف والعنف والقتل والإرهاب.. ولأننا نحن من يتحمل المسؤولية فإن الحلول لا تنبع إلا من داخلنا وليس من خارجنا.. فمتى ندرك ذلك.