زكية إبراهيم الحجي
ماذا نتعلم.. كيف نتعلم.. لماذا نتعلم.. وهل المبنى والمناخ المدرسي ملائم للعملية التربوية والتعليمية.. ثم ما مدى صحة المقولة: «علّموا أبناءكم لزمانٍ غير زمانكم»؟.. كمٌ من تساؤلات متعددة وخلف كل تساؤل تتفرع جملة أسئلة.. لا تزال تدور في مخيّلة كل من يتابع العملية التعليمية في مدارسنا أو جامعاتنا، وجميعها تبحث عن إجابة. أبرز ما يميز هذا العصر، هو ما نشهده من انفجار هائل في ميادين المعرفة الذي وفرته وسائل التكنولوجيا الحديثة في عالم الاتصالات،
وما تبع ذلك من تغيير في كثير من مجالات الحياة لمواكبة التطور السريع الذي انعكس على حياة الإنسان بشكلٍ عام.. فإذا كانت وسائل التكنولوجيا قد برزت أهميتها كأحد عناصر الإنتاج وركيزة من مرتكزات الرؤية المستقبلية للتنمية الشاملة.. فإن السؤال الذي ما زال يدور في دائرة فلك الماضي والحاضر هو: هل ما نتعلمه في مدارسنا وجامعاتنا.. وما نعلمه لأطفالنا وأبنائنا يُواكب تطوراً يشهده عالم نعيش فيه ويتميز بالتجديد والتعقيد.. أم لا نزال نعلمهم ما تعلمه أسلافنا دون تغيير أو تحديث.. وهل تعليمنا الحالي بمناهجه ومقرراته الدراسية وطرق التدريس القائمة على التلقين والحفظ وحشو الذهن ثم ورقة اختبار.. استطاعت أن تلبي آمال وطموحات الأجيال وطموحات المجتمع.. ولماذا عجزنا ونحن نملك من الإمكانيات الهائلة ما يكفل لنا أن نسابق دولاً تربعت على عرش التميُّز التعليمي وصارت مضرباً للمثل في مجال التعليم كاليابان وفنلندا وماليزيا؟
لن أخوض في التفاصيل وتشخيص مواطن القوة والضعف في تعليمنا ابتداءً من المبنى المدرسي.. البيئة الصفية.. الطالب والمعلم.. المناهج الدراسية والوسائل التعليمية.. الإدارة المدرسية والإشراف التربوي.. التدريس في المناطق النائية وعدم توفر وسائل مواصلات جيدة آمنة وصالحة للسير في الطرق الوعرة حفاظاً على سلامة المعلمات.. البحث عن أسباب ظاهرة اعتداء بعض المعلمين على الطلبة أو العكس وإيجاد حلول لها كوضع قوانين صارمة هدفها القضاء على هذه الظاهرة التي تزايدت في الآونة الأخيرة.. اختبار قياس القدرات.. المقاعد الجامعية والتضييق على الطلبة والطالبات وإلزامهم في كثير من الأحيان بالتوجه إلى تخصصات لا توافق ميولهم أو تناسب رغباتهم وما يطمحون إليه من تحقيق لأهدافهم المستقبلية.. تهاون بعض الملحقيات الثقافية أو التقصير مع الطلاب المبتعثين... و... و... وهلم جرا من تركة ثقيلة تناوب على حملها عدد ممن تولوا قيادة وزارة التعليم.. وتناولتها وسائل الإعلام حواراً ونقاشاً وما زالت.. كُتِب عنها الكثير وما زال يُكتب.. هي لسان حديث المجتمع في كل زمان ومكان.. وحتى ولو كان هناك تحسن طفيف إلا أن جذور المشكلة ما زالت قائمة منذ أمد، بل إنها أخذت تتمدد أكثر وأكثر، ويحق لنا أن نتساءل في ظل نظام تعليمي بات على المحك: ترى أين يكمن الخلل وكيف نصلحه.. ثم ماذا نريد؟.. أما الخلل فيكمن جزءٌ منه في العلاقة بين المؤسسة التعليمية وأقصد بها (الوزارة والإدارات التابعة لها وكيفية التسيير)، فالتسيير فنٌ قبل أن يكون علماً.. وجزءٌ آخر تتحمّل وزره الأسرة التي تتخلى عن دورها التربوي وتلقي باللائمة والمسؤولية على عاتق المدرسة.. وثمة جزء آخر يتحمّله المجتمع بمؤسساته المختلفة الدينية والثقافية والإعلامية.. فالكل من موقعه مربٍ ومعلم.
صحيح أننا نريد لأبنائنا وفلذات أكبادنا أرقى المؤسسات التعليمية وأنجعها نتائج في المخرجات التعليمية.. لكن لا يحق لنا جميعاً أن نُحمِّل وزر ما يعانيه نظام التعليم لوزير ترك الوزارة، أو آخر استمر لكنه لم يحقق المأمول، وكما هو رائج في المجتمع.. فغالباً ما تُصدم رؤية وزير من الوزراء ولسبب ما برفض من بعض أفراد المجتمع، مما جعل التعليم عند البعض كقميص عثمان أو الشجرة التي تخفي الغابة.
إن إطلالة سريعة على نظم التعليم في دول تميزت في المجال التعليمي نجدها متقاربة في مراميها وغاياتها.. متباينة في وسائلها وأدواتها وأساليب عملها وتعاملها.. ومدى تفاعلها مع العوامل المؤثرة في كل جوانب حياة مجتمعاتهم.. مما أوجد علاقة تبادلية التأثير بين أنظمتهم التعليمية من جهة وبقية العوامل والقوى المؤثرة في مجتمعاتهم.. فهل إصلاح نظامنا التعليمي تجربة.. أم تطوير.. أم هما معاً.
في اعتقادي، ولا أُجْزِم بهذا الاعتقاد بأن إصلاح نظامنا التعليمي هو تجربة وتطوير معاً.. تجربة مستلهمة من دول عدة تميزت بريادتها في التعليم وتفوقها في الاقتصاد المعرفي القائم على تنمية الموارد البشرية علمياً ومعرفياً من خلال التعامل مع التقنيات الحديثة دون أن نغفل التطوير والتجديد بما يلائم مجتمعنا أو يتعارض مع تقاليدنا.
إن الحديث عن التعليم في وطني وما يحمل في رحمه من مشاكل وعقبات ومعوقات وما نتمنى منه أن يكون، حديث شائك وطريقه طويل ودائماً تبقى أصابعنا موجهة لنظامنا التعليمي وإخفاقاته المتعددة.. ويبقى الطالب المعلم الأسرة والمجتمع في تساؤل دائم عن آفاق التطوير والتغيير في التعليم.