رغم ادعاء مرورنا بتاريخ عريض من الرقي والتحضر بحكم الانفتاح على حضاراتٍ عدة.. إلا أننا ما زلنا نقف على الأعتاب فقط متفرجين مصفقين دون الاستفادة مما أنتجته حضارة الآخر من أي نتاج يناسب حياتنا ومجتمعنا.. أو مقلدين لما لا يتوافق مع قيمنا ومبادئنا وتقاليدنا المتوارثة من ماضي الآباء والأجداد.. دوماً نتوارث حديثاً عن براعة إنسان الصحراء وشجاعته في عصور غابرة، ولا نعرض ونحن في زمن التقنية والفضائيات صوراً أو مشاهد، أو نقوم بزيارات حية لمناطق حافلة بكنوز التراث العربي العريق الذي حققه ابن الصحراء في جغرافية جزيرة العرب..
فكم نحن ناكرون لمجد تغنى به ابن البادية الأول.. وشدو الرعاة في ترحالهم أو حضورهم في بلاط السلاطين وقصور الأمراء بأهازيج الغزل والفخر.. المدح والرثاء والشجاعة.. كم نحن في غفلة عن تلك الأطلال التي ظلت قائمة تتماهى في الأرض والديار رغم تعاقب السنين والأحقاب.. كم نعتب بحسرة على أولئك الوطنيين ممن توغلوا في سبر أغوار التاريخ التراثي والحضاري لجزيرة العرب، وتهاونوا وأهملوا توثيق هذه الكنوز التراثية الأصيلة، التي هي جزء من هويتنا وشخصيتنا، وتركوا للمستشرقين مهمة نقل الحقائق التاريخية بعد أن شوهتها كتاباتهم وحرفتها عقولهم. في صغرنا وأثناء الدراسة حشا المعلمون عقولنا الطرية تلقيناً وحفظاً.. قيس وليلى.. عنترة وعبلة.. النقائض بين جرير والفرزدق... إلخ، وكبرنا ونحن نحمل علامة استفهام خلف.. أين.. كيف.. وغيرها من صيغ استفهام ظلت عالقة في ذاكرتنا، نسترجعها كلما عاودنا الحنين إلى شِعر الأقدمين.. ما أجمل الالتفاتة إلى ظلال الماضي العريق، وما أجمل الوقوف على الأطلال والمآثر التي كانت منسية.. وما أجمل (على خطى العرب) الفيلم الوثائقي الذي أزاح غباراً متراكماً عن تاريخٍ عميق وكنوز أثرية احتضنتها مساحات شاسعة من جغرافية المملكة العربية السعودية.. (على خطى العرب) يجوب بنا كل سبت في رحلة ثقافية ممتعة بالصوت والصورة للوقوف على الأطلال، واستحضار تراث الماضي، وتتبع خطى شعراء المعلقات.. والبحث عن الفراديس الضائعة وهذيان الأقمار في الكثبان حيث امتزاج العربي بالصحراء وملاحم صراعه مع العطش والجفاف وصدود الحبيب والتأسي عليه بالقوافي العذاب.. (على خطى العرب) نقلة نوعية في برامج الإعلام المرئي؛ لما يحمله من جرأة وإبداع والتفاتة إلى كنوز الماضي، ورتقٍ للمسافة الفاصلة بين ماضٍ تاريخي تراثي عظيم وصورته في مرايا جغرافية المحسوس.. (على خطى العرب) فسحة للذائقة الثقافية والمعرفية الواسعة، استطاعت أن تنتشلنا من مستنقع معظم البرامج الفضائية المبتذلة السقيمة، وتنقلنا إلى تراث الماضي ومرابع الشعر والشعراء والممالك المنسية.. (على خطى العرب)، وباستثناء بعض السقطات العابرة والأخطاء في قراءة بعض الأبيات الشعرية، إلا أنه يبقى كنزاً ثقافياً شاهداً على مجد اللغة والهوية والتاريخ.. ومفتاحاً لعبقرية عقول أنجبتها بطون جغرافية جزيرة العرب.. يبقى أن أقول: لماذا لا تتم ترجمة هذا الفيلم الوثائقي إلى لغات عدة، وتستفيد منه وزرة الثقافة في تصديره لفضائيات الدول غير الناطقة باللغة العربية، وذلك بعد الاتفاق مع قناة العربية.
أيضاً لماذا لا تستحوذ وزارة التعليم على نسخة منه؛ ليتم الاستفادة من مادته الثقافية والتراثية والمعرفية في المدارس، ويتم عرضه في حصص النشاط اللاصفي؛ فأبناؤنا وبناتنا بحاجة إلى مثل هذه البرامج التي تسلط الضوء بالصورة والصوت على المواقع الجغرافية التي احتضنت كنزاً ثقافياً معرفياً وتراثياً، بقي في نفق المجهول إلى أن أنقذه على خطى العرب.