أ. د.عثمان بن صالح العامر
) «المواطن» - كما يحب أن ينعت نفسه - علي بن محمد الجميعة، رجل جاوز الأربع والثمانين من عمره، عايش التجربة الزراعية في المملكة العربية السعودية منذ بداياتها وحتى تاريخه، خصوصاً تجربة الجزء الشمالي من منطقة حائل - الواقع خارج الدرع العربي -، يعرف الزراعة بكل تفاصيلها، ويخبر أسرارها، ويحفظ منجزاتها، ويدرك أهميتها الأمنية الحالية والمستقبلية، ويعطيك بالأرقام أثر الزراعة الاقتصادي سواء في الناتج المحلي المتولد من سرعة دورة الريال، أو انخفاض تكاليف المائدة السعودية، أو عدد القوى البشرية التي تنتظم فيه، أو العوائل التي تقتات عليه أو... يحدثك بعمق عن البركة التي ترتبط بهذا القطاع الحيوي المهم وتنعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع، بل تشمل الحيوان والطير التي هي أمم أمثالنا، ولذلك كان وما زال هذا الرجل الذي يعرف كثيراً من القطاعات التنموية في المملكة العربية السعودية يُراهن على القطاع الزراعي في مناطق معينة من بلادنا الغالية، ويُدافع عن المزارعين ومنتجاتهم المتنوعة في المحافل والمنتديات الخاصة والعامة وعبر الرسائل والمقالات، ويُفاخر بأنه «مزارع».. يعرفه الأمراء والوزراء والمسئولون والمهتمون والأكاديميون المختصون وأصحاب المشاريع الزراعية في المملكة العربية السعودية، بل والخليج العربي من خلال قنوات كثيرة أهمها على الإطلاق «منتدى الخطة السنوي» الذي يقام في مزارعه وعلى نفقته الخاصة كل عام.
أنشأ «الجميعة» في جامعة حائل «كرسي الشيخ علي الجميعة للتنمية المستدامة في المجتمعات الزراعية»، وفتح أبواب مزرعته ومختبرها الفريد للباحثين والمهتمين وطلاب الدراسات العليا ليجروا دراساتهم المتخصصة قريباً من الحقل، تبنّى تأسيس جمعيات تعاونية كثيرة غالبيتها ذات صلة مباشرة بالزراعة وتربية الماشية والتسويق الزراعي والصناعة القائمة على الزراعة و... تعرّض هذا الرمز الحائلي المميز لكسر في قدمه اليمنى، أجبره هذا العارض الصحي على لزوم السرير الأبيض أربعة أشهر أو يزيد بعيداً عن معشوقته «حائل»، اشتاق لرؤية الحقل وشم نسيمه، فجاء الأسبوع قبل الماضي رغم ظروفه الصحية الصعبة إلى «المسرة».. نمى خبر قدوم الشيخ «علي» إلى حائل، فسارع محبوه والقريبون منه لزيارته والاطمئنان عليه والدعاء له بالشفاء العاجل.
في أحد المساءات كنت من أولئك الذين تواجدوا هناك، كان الحديث عن الزراعة الحائلية والتخوف الذي ألمح إليه، بل صرّح به عدد من المسئولين ومتخذي القرار في السنوات الأخيرة، حتى وصل الأمر للتضييق على الزراعة الداخلية وتشجيع المشاريع الخارجية المشتركة، حرصاً على توفير المياه الجوفية التي هي سر البقاء وضمان استمرار الحياة.
) ودون الدخول في تفاصيل ما قيل، يرى «الجميعة» وجمعٌ من المزارعين المتواجدين تلك الليلة أن الأثر السلبي المتوقع والمعلن رسمياً مبالغ فيه بل لا وجود له أصلاً، مستندين في هذا إلى المرجعية الربانية والخبرة الطويلة، ومدللين على ما يقولون بتجاربهم الشخصية، وفي ذات الوقت، متعجبين من التناقض الشديد بين التحذيرات التي تطلقها وزارة المياه والاستنزاف الكبير الذي تقترفه في حق المنطقة على وجه الخصوص، ملمحين إلى أن الاهتمام بالقطاع الزراعي وتشجيعه ودعمه والاهتمام به قضية وطنية لا شخصية.
) هذه الجدلية «الماء» و»الزراعة» التي تُعد في نظري من أكثر الإشكاليات التي كثُر حولها الكلام تحتاج اليوم ونحن نشهد الحراك السياسي الخارجي الصعب إلى دراسات ميدانية متجرّدة ومحايدة ودقيقة تجريها فرق متخصصة على مناطق المملكة المختلفة، تتوّج هذه الجهود الميدانية بقرار سياسي سيادي ملزم مبني على التوصيات والنتائج التي تتمخّض عن هذه الجهود العلمية علّه يتحقق الجمع بين المصلحتين وينمو القطاع الزراعي بشكل علمي مدروس ولا تذهب تلك الأموال التي بُذلت على البنية الأساسية أدراج الرياح.
) إن ما سمعته في ذلك المساء أثار لديَّ - وأنا البعيد عن هذا المجال «معرفة وتجربة» - كثيراً من التساؤلات التي لا يمكن أن يُجاب عنها إلا من خلال دراسات ميدانية معمّقة توضع نتائجها ومستخلصاتها النهائية على طاولة صنّاع القرار، أعانهم الله، خصوصاً أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أدامه الله وحفظه ورعاه - عارف بجغرافية الوطن وعالم بأوديته وشعابه، والمياه الجوفية الجارية لا الراكدة والتي شاءت إرادة الله، أن تكون على أبعاد مختلفة في جوف أرض الوطن، وفي أمكان معروفة من بلادنا الغالية لا في جميعها، كما هو معلوم، حفظ الله ديارنا ورعاها وحرسها وحماها بعينه التي لا تنام، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.