د.فوزية أبو خالد
تحدثت في مقالين سابقين عن مرحلة حكم الملك عبدالله يرحمه الرحمن التي امتدت إلى قرابة العشر السنوات بكثير من التثمين، مشيرة إلى أن الوقوف وقفة نقدية من تلك المرحلة يعتبر جزءاً من تثمين طموحها لتقييم المنجز واستكمال المأمول.
وقد وعدت بكتابة مقال أحاول أن أكتب فيه بعضاً من أحلام الوطن الحلال في العهد الجديد عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأسجل بعض الاستحقاقات الداخلية، على أن أخصص مقالاً لاحقاً عن التحديات الخاصة بواقع النساء على وجه التحديد، ومقالاً آخر عن الاستحقاقات الخارجية.
أحلام الوطن الحلال
لو أننا قمنا بعمل تقرير لسؤال عموم المواطنين عن أحلامهم وآمالهم في العهد الجديد فماذا يمكن أن تكون هذه الأحلام والآمال؟ ولو أن التساؤل كان عن التوجسات فما عساها تكون تلك القضايا المقلقة للمواطن السعودي؟. لا شك أن الإجابات على تويتر مثلا ستختلف عن الإجابة في الصحف والتلفزيون السعودي، وقد تختلف الإجابة بالجامعات والجوامع عن الإجابة في حراج ابن قاسم أو سوق الزل أو الاستراحات. كما قد تختلف الإجابة في العبيلة وشرورة عن الإجابة في حي حطين بالرياض أو في صفوة بالقطيف أو في الجوف وجيزان.
وهذه أولى الاستحقاقات التي قد يكون على العهد الجديد الاستجابة لها والوفاء بها. وهو استحقاق مركب، فمن ناحية هو تحدي كيفية الوصول إلى هذه الآراء ومن الناحية الثانية فهو تحد في كيفية التعامل مع ذلك الطيف الواسع من الأحلام والآمال ومع توجساتها وقضاياها المقلقة. والسؤال عن الكيفيتين هو من نوع السهل الممتع. فنحن أمام مملكة مترامية الأطراف وأمام تنوع ثقافي للسكان وأمام أغلبية شبابية وأمام ثورة معلومات وأمام تحولات عربية وإقليمية مجانبة للمعهود وأمام أخطار محدقة من المخدرات إلى متخطفي الشباب للعنف والإرهاب وأمام مسؤولية وطنية وعربية وعالمية كدولة من أثقل الدول وزنا اقتصاديا وموقعا استراتيجيا مما بقي بعد ما عصف بالمنطقة من رياح الاقتلاع.
فإذن بقدر ما قد يبدو من بديهية الإجابة عن سؤال الكيفيات في التواصل مع المواطنين وفي التعامل مع أحلامهم وتوجساتهم على اختلاف مواقعهم وفئاتهم ومشاربهم سواء كانوا من النخب الدينية والثقافية والمالية أو من عامة المجتمع أو القاع المدقع فيه، بقدر ما يتبدى تعقيد السؤال وصعوبة الإجابة عنه. فسؤال المشاركة وحرية التعبير وإيجاد أرضية أفقية بين الحاكم والمحكوم وبين السلطة والقوى الاجتماعية لم يكن يوماً سؤالاً سهلاً إلا بعد تاريخ من العمل السياسي المقصود به إيجاد أرضية لعلاقة الشراكة الوطنية.
بالطبع يمكن من الناحية «النظرية» الإجابة عن السؤال بالروح الأبوية وبدالة التقليد والعرف وبالعشم المفترض عادة في العلاقات الأريحية التي تربط بين القيادة والمجتمع في مثال الدولة الريعية الرعوية. غير أن طبيعة المرحلة وتحولاتها الذاتية والموضوعية مجتمعياً وكذلك طبيعة القيادة في العهد الجديد التي يجتمع فيها الخبرة التاريخية والدماء الشابة تجعل من الصعب التعويل على إجابات مستمدة من مراحل سابقة تختلف عن مرحلتنا نوعياً وإن كانت تلك الإجابات مجربة أو متوارثة. بل إنني أراهن على أن طبيعة القيادة الجديدة وطبيعة اشتعالات هذه المرحلة بالتحولات وطبيعة التوقعات الاجتماعية خاصة من الأجيال الشابة، قد يجعلها قادرة على البحث عن أساليب جديدة للوفاء باستحقاقات الداخل والخارج معاً.
استحقاقات الداخل
لعل ما ذكرته أعلاه يشكل مدخلا مناسبا للحديث الذي سأتمه الأسبوع القادم عن جملة من استحقاقات العهد الجديد وأولها البحث في آليات التواصل بين القيادة والمجتمع بما لايكتفى فيه بالأساليب القديمة كالمجلس الأسبوعي، والعرائض والالتماسات وتقارير الوزراء أو ما يرفعه مجلس الشورى من توصيات، بل تؤصل مؤسسات التواصل القائمة كالصحافة وتفعل وسائط الإعلام الأخرى بما فيها الإعلام الجديد. هذا مع ضرورة التشريع لمؤسسات مدنية تنظم علاقتها مع الدولة دستورياً لتمثل صوت المواطن. وبكلمات أكثر تحديداً فإن الاستحقاق الأول هو تجديد جسور التواصل بين الدولة والمجتمع وإيجاد أوعية جديدة وآليات جديدة لعلاقة تفاعلية بين القيادة وبين الشعب بضوابط دستورية واضحة.
وإذا كان قد سر الكثيرون أن يصبحوا من متابعي الملك سلمان بعد أن قرر أن يشترك معهم في موقع واحد بالفضاء الافتراضي، فإن هذا يؤخذ أيضا كمؤشر لإرادة تجديد طرق التلاحم والحوار بين الدولة والمجتمع، حيث لاشك أن الأشكال الشفهية القديمة لم تعد قادرة لخدمة مقتضى الحال في المرحلة الراهنة وبالقيادة الجديدة. فسياسة باب المجلس المفتوح للرعية لا يمكن تطبيقها على تعداد سكاني يتجاوز العشرين مليون نسمة كما كان الأمر في مراحل التأسيس الأولى للدولة السعودية، وهذا ليس إلا قطرة في الغيث المنشود لعلاقة أكثر تفاعلية بين مجتمع فتي ودولة عصرية.
يستكمل الأسبوع القادم بإذن الله.