استهلال
1 - بهذا العنوان نريد أن نشير إلى تلك العلاقة العضوية التي تربط بين الشأن النسوي والشأن الوطني. فواقع النساء بقدر ما بدا أحد المفاتيح السرية التي أراد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله أن يفتتح بها صفحة جديدة للدولة السعودية في علاقتها مع المجتمع من
خلال رد الاعتبار للمرأة كمواطنة لها حقوق وعليها واجبات, بقدر ماكشف ذلك الواقع عن مدى التعالق بين الوطني والنسوي في أي مشروع حقيقي للإصلاح.
2 - قلت في مقال الأسبوع الماضي بعد أن كتبت فيه لمحات من صور الحياة السعودية في عهد الملك عبدالله رحمه الله في وقفة تأمل لما كان كمحاولة قرءاة سيسيولوجيا المستقبل, بأنني في مقال اليوم سأقف بصورة الملك عبدالله مع النساء السعوديات. وتأتي أهمية تخصيص مقال لتلك الصورة نظرا لرمزيتها في استحضار صورة المرأة السعودية من الغياب التاريخي, باعتباره أول ملك من ملوك المملكة العربية السعودية ممن دعا السيدات لمبايعته في قصرالحكم, وأول من أقام للمسألة النسوية كقضية وطنية مؤتمرا يجمع كافة الأطياف من النساء والرجال تحت مظلة رسمية.كما قام بتعيين عدد من النساء في مجلس الشورى. هذا عدا عن رمزية ظهور صورالنساء لأول مرة في عدد من الفعاليات العلمية وفي محافل دولية ممثلات جنبا إلى جنب في منصة مشتركة مع القيادة العليا للبلاد. بل إن صورا ظهرت لأول مرة لنساء سعوديات في المجلس الرسمي للملك.
وكانت صورة المرأة محتشمة في الفضاء الرسمي والعام بعد طول انطفاء, تقول بالعربي الفصيح أن الدول والمجتمعات تستطيع الاستيقاظ متأخرا بعض الوقت ولكن لاتستطيع تأخير أوقات الشروق إذا حانت كما لاتستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
شمس مستدامة
لذا يسعنا القول دون مبالغة بأنه قد جرى في حقبة الملك عبدالله تبني سياسة تحريك المياه الراكدة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فكانت تلك الصور تعبيراعن إرادة القيادة واستجابتها لمطلب القوى الاجتماعية بالإصلاح. كما كانت تصويرا لتلك الحركة التي لم يستكمل الكثير منها أو يأخذ إلى المدى الذي ينقل الدولة السعودية كدولة موحدة مستقلة إلى مرحلة التحول من بنى الدولة الرعوية إلى بنى دولة القانون والحقوق والمؤسسات.
وإذا كان لايشغلني هنا الوقوف بتلك الصور بهدف تقييمي بقدر مايعنيني التوقف عندها بهدف تثميني باعتبارها أدت إلى حراك نسبي في أوضاع النساء, فإنني في هذا المقال أكتفي بقراءة صورة الملك عبدالله مع المواطنات لتحديد تلك المكتسبات التي رمزت لها تلك الصورة فيمايخص إصلاح واقع النساء كجزء عضوي من أي طموح للإصلاح الوطني.
يبقى أنه لابد من ملاحظة أن كل مكتسب من المكتسبات التي تستحضرها الفقرة التالية تستحق وقفة تحليلية برؤية نقدية لا تكتفي بالتسجيل أوالوصف.كما أنها تحتاج إلى ترسيخ وتطوير وإضافة بما لا يجعلها مجرد لحظة إشراق عابرة على جدار مغلق، بل شمس مستدامة على أفق مفتوح لبلاد لا تريد الرجوع إلى الوراء.
مكتسبات ليست للتراجع بل للتعزيز والتطوير
1 - عمل الملك عبدالله يرحمه الله على إيجاد أرضية مشروعة للسجال بين الدولة وبين النساء. فلم يعد نقاش قضايا المرأة ولا الحديث عن تظلمها الاجتماعي أو مطالبها نوعا من الغيبة السياسية المحرمة بل أصبح الأمر مقبولا ومسموعا وقابلا للتفاوض والنقاش.
2 - استجاب لمطلب النساء في الخروج على صورة المرأة الاستشراقية المسربلة بالغموض وبأخيلة الفتنة أو صورة «اللعبة فلة مطموسة الملامح» التي كانت تباع في أسواق عويس وسواها من الأسواق الشعبية بالمملكة لاستبدالها بصورة المرأة المسؤولة والمواطنة الآهلة. وكان بعض ذلك عبر التجاوب مع مطلب استصدار بطاقة الهوية الوطنية كحق لجميع النساء.وكذلك عبر عدد من التشريعات المؤازرة، كحق الأم الحاضنة في حالة الطلاق بالحصول على بطاقة عائلة وكإلغاء قانون الوكيل التجاري للمرأة وسن القانون لتجريم العضل والحجر, وكإعطاء فرص تكاد تكون متساوية في الابتعاث للدارسة بالخارج.
3 - آزر النساء في دعوى ومطلب إعادة الاعتبار لتعدد القراءت الفقهية للشأن النسوي وعدم الاحتكام للقراءة الأحادية للشرع في فقه المعاملات. وقد أعطى مؤشرات لضوء أخضر في هذا الاتجاه مثل استشهاده على غير العادة السعودية الأحادية المتحفظة, باستشارة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة يوم أصدر القرار بدخول النساء مجلس الشورى وقرار حق النساء في الانتخاب والترشح للمجالس البلدية.
4 - ساند مطلب توسيع مجال وجود المرأة في الفضاء العام كسيدات أعمال في مختلف مجالات العمل بالمستشفيات والأسواق التجارية والمحاكم والإعلام المرئي إلى جانب مجالات العمل المغلقة كمعلمات وأستاذات جامعيات وإخصائيات الخ.
5 - رفع سقف الحريات نسبيا فيما يخص النقد الوطني بما انعكس إيجابيا على الكثير من مطالب العدل والمساواة في حق النساء.
6 - طعم البنية السياسية والإدارية الذكورية تاريخيا للدولة والجهاز الحكومي بوجود نساء في مواقع نيابية في الوزارات والجامعات.وفتح باب التمثيل في مؤتمرات وندوات الداخل والخارج, بعد أن كان التمثيل لايتم إلا عبر الشقوق وبمغامرة فردية.
7 - التوقيع على الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة المناهضة لكل أنواع التمييز ضد المرأة وحضور جلسات المحاسبة السنوية بجنيف بتمثيل وفد من النساء السعوديات.
8 - وليس أخيرا ساعدت وتساعد هذه السلسلة من الإصلاحات في مداها أو محدودية بعضها على تفكيك الصورة النمطية المتسمة بالدونية والنقصان للمرأة السعودية وتصحيح تلك الصورة بصورة المواطنة الراشدة نحو استكمال الأهلية الوطنية للمرأة برفع الوصاية عنها.
9 - لم تقتصر الكثير من القرارات التي اجترحها الملك عبدالله على نساء النخبة بل طال بعضها الكثير من النساء مثل بعض القرارات الخاصة بالضمان الاجتماعي، وقرض البنك العقاري, ومشاريع الإسكان على تعثرها, ومثل نظام حافز الذي رام تخفيف ضائقة البطالة المستحكمة في رقاب الشباب عامة والنساء خاصة.
أما الأمر ماقبل الأخير فإنه لفت الانتباه إلى أن الكثير من هذه المكتسبات تحتاج إلى مزيد من التوطين بتشريعات وقوانين مكتوبة تجعل التزام العمل بها في حق المواطنة السعودية جزءا من دستور البلاد.كما لا بد من استكمال قائمة أخرى من مطالب النساء التي تساهم في تحسين الشروط المعيشية للمواطنين رجالا ونساء ومن ذلك على سبيل المثال استصدار مدونة مكتوبة ومتعددة المنابع الفقهية للأحوال الشخصية وأيضا إعطاء المرأة الراشد العاقل الآهل حق ولاية أمرها بنفسها دون المساس بالمستثنى الشرعي الوحيد في ذلك وهو عقد الزواج إن كان للمرة الأولى. هذا عدا عن ضرورة تكثيف العمل على نشر وتعزيز ثقافة اجتماعية تحمي هذه المكتسبات وتعمل على تطويرها نحو مزيد من العدل والمساواة.
رحم الله الملك عبدالله وأعان الرحمن القيادة الجديدة على التقدم بالبلاد في هذه المرحلة الحبلى بالتحديات الداخلية والخارجية, وإن كنت سأعود للحديث عن أحلامنا الحلال في العهد الجديد بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف في مقال لاحق. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.