عالم يقف في خضم بحر هائج من المتغيرات والمفارقات.. عالم يتناسل فيه من يهتف وينحني لديمقراطية القتل والفوضى.. الرعب وإراقة الدماء وتقطيع أوصال الأوطان.. تأجيج الفتن الطائفية والعقائدية وسحق لإرادة الشعوب تحت ذريعة ديمقراطية نادوا بها.. فأية ديمقراطية هذه التي أصبحت صفقة من استغلال وهيمنة وبدع غريبة منحرفة.. وأية ديمقراطية هذه المتلونة بلون محيطات الكون..
المتغيرة بتغير أي مستجدات تخلق تربة صالحة.. لها وزن في واقع سياسة تلك القوى المراوغة المنادية بديمقراطية الزيف والخداع.
لقد أصبح الحديث عن الديمقراطية حديثاً مثيراً مقلقاً ومؤلماً.. ويطرح عدة تساؤلات حول جوهر مدلولها.. الكل راح يتحدث عنها بمفهومه الخاص والكل يجدد الأسئلة حولها وبصيغ مختلفة ولا نسمع غير إجابات متفرقة متضاربة والمشهد هو سلسلة من تشنجات شعوب ذاقت الويلات من تهجير وتشريد.. وحرقةِ فقد الأب أو الأم أو الابن ومرارة التيتم والترمل.. وذلك باسم ترويج لديمقراطية ظاهرها الاستقلالية والحيادية وإنهاء معاناة شعوب عاشت الضيم والظلم.. الفقر والحكم بقبضة الحديد لعقود من الزمن.. وباطنها ذر رماد في العيون بتسويق شعارات ديمقراطيةِ مُراوَغَة وزيفٍ وخداع خططت لها أيدي خفية وأنتجها العقل الإستراتيجي الأمريكي ونادى بها أولئك الذين أطلقوا عليها في يوم من الأيام بالفوضى الخلاقة.. فعذراً لهم إنها الفوضى اللاخلاقة تُستثمَر لتمرير مصالحهم عن طريق المناورات والأكاذيب والوعود الوهمية.. عذراً لهم فديمقراطيتهم هي التحكم اللامتناهي في الكون مع فصل الإنسان عن محيطه.. وتجريده من ارثه الإنساني والتاريخي وحقوقه التي أصبحت المطالبة بها ضرباً من ضروب الخيال.
إن النمو الهائل الذي تتمتع به أمريكا خاصة بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي جعل منها أكبر وأقوى دولة في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً مما أقنعها بأن تنتزع لنفسها الحق في إعادة تشكيل المناطق التي تتركز فيها مصالحها خاصة منطقة الشرق الأوسط يغريها على تحقيق هذا الهدف حالة الفراغ السياسي والتراجع الاقتصادي والوهن الاجتماعي وانتشار الجماعات المتطرفة وتعرض بعض سفاراتها لهجمات إرهابية من قبل القاعدة وقبل كل شي حماية نقطة تجمع الحركة الصهيونية في إطار دولة إسرائيل فلا غرابة أن تنهمك مراكز الأبحاث وإدارات التخطيط الأمريكية في وضع الخطط التي تراها مناسبة لإحداث تغيير في المنطقة العربية باسم الديمقراطية فهل كانت قضية الديمقراطية في المنطقة تثير اهتمام السياسة الأمريكية في يوم من الأيام.. حاشا وكلا قضيتها حصر المنطقة بين شقي رحى هيمنة أمريكية لا أحد يعرف ماذا تخبئه في جعبتها من صفقات جديدة تكوي بها جسد الأمة.. وبين ظروف تمر بالمنطقة العربية تمثلت في فوضى سياسية وتنامي الجماعات المتطرفة وتمدد داعشي وصراعات طائفية.. باتت المنطقة العربية أشبه ما تكون بصفيح من نار يكوي الشعوب ويهدد الأمن والاستقرار.
ورغم أن الديمقراطية القائمة على التمثيل والزيف والمراوغة والتي لا زال الغرب ينادي بتطبيقها قد سقط قناعها البشع فإن إنسان الوطن العربي لم يعلن استقالته عن الأيدي الخفية التي تتجاوز المألوف وتصيغ الجديد من المرارات الإنسانية.. فهلا استفاقت أمة العرب من سباتها العميق.