لم يكن اليوم الذي رحل فيه عن دنيانا خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز- يرحمه الله- يوما عاديا، فقد كان الوالد الحنون، والشيخ الحكيم، وعمود خيمة هذا الوطن الكبير وبالتالي فإن ما يعقب رحيله لن يكون عاديا بالتأكيد، لأنه-يرحمه الله- كان والدا للجميع، وقد استطاع خلال سنوات حكمه القصيرة، أن يتخذ كثيرا من القرارات التنموية الكبرى فهناك برنامج الابتعاث، والتوسع في مجال عمل المرأة، كما أنه أضاف نكهة خاصة لعلاقة الحاكم بالمحكوم، فقد أصبح منظرا مألوفا أن نراه يجتمع بالمسؤولين، أو المواطنين، دون أن يلبس مشلحه الرسمي، وأصبح روتينيا أن نسمعه يتحدث بكل عفوية، سواء مع المسؤولين، أو مع أبنائه الطلاب، أو عامة المواطنين، وقد ارتبطت مواقف كثيرة في الأذهان، ولا أظن أنها ستنسى.
بعد رحيله أصبح وطننا في عهدة ولي عهد الراحل خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرجل الذي يزن كل شيء بميزان من ذهب، والذي كان رقما صعبا في مسيرة بناء هذا الوطن الكبير، منذ عهد والده المؤسس، عليه شآبيب الرحمة، مرورا بعهود كل الملوك الراحلين، عليهم رحمة الله، ويساعده ولي عهده، الأمير مقرن بن عبدالعزيز، الحاكم الإداري، والطيار المتمرس، والرجل الذي يترك أعماله تتحدث عنه، وولي ولي العهد، ورجل الأمن الأول الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولتجديد الدولة، وتمهيدا لتحليقها في فضاءات الازدهار، فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين كثيرا من القرارات الملكية، كان أبرزها إعادة تشكيل مجلس الوزراء، ليكون أعضاؤه خليطا متميزا من الخبرة، والحيوية والشباب، وأصبح لدينا في هذا التشكيل الجديد ثلاثة من شباب الأسرة المالكة يتربعون على أهم الجهات العسكرية والأمنية.
هناك الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز على رأس وزارة الحرس الوطني، وأبناء عمه، الأمير محمد بن نايف في وزارة الداخلية، والأمير محمد بن سلمان في وزارة الدفاع، وهذا يمنح المواطن شعورا بالاطمئنان، فكل واحد من هؤلاء تخرج في مدرسة والده، علاوة على دراسته الرسمية، فالأمير متعب عمل في الحرس الوطني لعقود، وهي المؤسسة التي بنى أركانها، وطورها والده الراحل، وكان الأمير الشاب معاونا له، ويتعلم منه، خلال معظم فترة التأسيس والتطوير، وهو الآن يترأس هذه المؤسسة، وفي الداخلية جاء الأمير محمد بن نايف مساعدا لوالده الراحل، نايف بن عبدالعزيز، واستطاع أن يتولى ملف الإرهاب باقتدار، ثم أصبح وزيرا لها، وقد تمرس في مدرسة والده، والذي كان فارسها على مدى عقود، والأمير محمد يسير الآن على خطى والده الراحل- يرحمه الله-، وكذلك الأمير الشاب، محمد بن سلمان في وزارة الدفاع، والذي يعتبر أصغر هؤلاء الأمراء الشباب عمرا، ويعرف عنه أنه كان ملازما لوالده، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ طفولته، وتعلم منه أصول الحكم، والتعامل مع الناس، وهو يدرك المهام الجسيمة التي تنتظره في إحدى أهم الوزارات السيادية، ولكنه سيستمد العون والمشورة من والده أولا، ثم من رجالاته الذين يعملون معه، ومعظمهم من أركان هذه المؤسسة العريقة، وهنا نؤكد على أن مصدر اطمئنان الشعب هو علمه بقدرة هؤلاء الشباب الثلاثة على قيادة هذه المؤسسات العسكرية الهامة، كما أن هؤلاء الشباب عبارة عن ثلاثة أركان يسند بعضها بعضا، وبهم ومعهم، وبتوجيه ورعاية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، نشعر بالأمان، ونتمنى لهم التوفيق والسداد.