من حق المواطنين إظهار مشاعر الفرح بالأوامر الملكية الحكيمة، ومن حقهم أن يعبروا عن سرورهم بالقادمين الجدد ضمن التشكيل الوزاري، أو المعينين في مختلف قطاعات وأجهزة الدولة الأخرى. أي ملك جديد لديه بالتأكيد رؤية جديدة، ونظرة مستقبلية تقوم على أسس متنوعة تجمع بين الفكر والكفاءة والمال. بمعنى أن هذه الأسس الثلاثة أيضاً مختلفة عن المراحل السابقة وفقاً للمستجدات محلياً وعالمياً، قد يتطلب تنفيذ العمل فكراً وكفاءة أعلى ومالاً أقل أي أنه يعتمد مثلاً على التنظيم والتنسيق والتركيز على الإنتاجية بأقل موارد مالية متاحة، وتأسيسا على هذه الإستراتيجية يختار الملك من كفاءات الوطن من يرى فيهم القدرة على تنفيذ السياسات وتحقيق الطموحات، وفي ذات الوقت يعفي من يرى أنه قدم كل ما لديه، أو أنه ليس الشخص المناسب للمرحلة القادمة ومع ذلك يشكر على ما قدمه حتى ولو كانت لديه بعض الهفوات فالخطأ في الغالب صفة ملازمة للعمل البشري، وأفضل العاملين هو أقلهم أخطاء.
مع صدور أوامر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله بتعيين مسئولين جدد وإعفاء آخرين صدرت من البعض تصرفات غير مسئولة وصلت إلى حد الهستيرية والشماتة بمسئول أعفي من منصبه وإلى درجة الاحتفالات المعلنة وتقطيع الكيك وتوزيع القهوة والحلوى مجاناً وصدور عبارات مسيئة بحق المسئول عبر مكالمات هاتفية تنم عن التخلف والانحطاط الفكري، وبرغم أن الدين الإسلامي الحنيف يحرم هذا السلوك وبخاصة الشماتة والفرح على الإنسان المسلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه « فالشماتة بالمسلمين والفرح بما يغضبهم لا يجوز لأنه مناف للأخلاق الكريمة والشيم بل يعد من نواقص الإيمان، برغم كل تعاليم الدين بتجنب الإساءة للغير إلا أنه خرج علينا من يحتفل وكأنه يعتقد بأن الإعفاء لم يتم إلا لعدم رضا الملك وسخطه على هذا المسئول وتذمره من وجوده على سدة المسئولية وغضبه من أعماله وأفعاله وهذا غير صحيح.
الجهات الأمنية قامت بالواجب وتعقبت الشامتين وأوقفت المهازل، والرئيس الجديد أبدى تذمره ووعد باتخاذ إجراءات قوية لوضع الأمور في نصابها، وفي خطوة جميلة تعبر عن أصالة هذا المجتمع قام عدد من المشايخ المعتدلين بزيارة الرئيس السابق وشكره على جهوده.
ما حدث يثبت لنا أن المجتمع ما زال يعاني من ضعف واضح في ثقافة التغيير، وأن شرائح من الناس ما زالت تنظر للإعفاء على أنه عقاب لذلك يبادر من في قلوبهم غل أو حقد لإعلان الأفراح وإقامة الولائم غير مدركين أن التغيير من سمات الحياة المتحركة، وأن المناصب والكراسي لا تدوم لأحد لأنها لو دامت لفئات من الناس لما وصلت لغيرهم. عدم استيعاب مقتضيات التغيير يجعل الجهلة لا يدركون مقاصده ومراميه ولنا في قصة عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه وتولي أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قيادة الجيوش خير شاهد على أن الحياة المتجددة تستدعي على الدوام التغيير لكن من يدرك؟ نحتاج لنشر هذه الثقافة الراقية بين الناس.