رحل الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - بعد أن ترك خلفه مساحات شاسعة من الحزن العميق في نفوس أبناء شعبه الذين أحبوه بصدق وإخلاص، ليس لأنه ملك وقائد يمتلك السلطة، وإنما لعظيم سجاياه الإنسانية وبساطته وقربه من شعبه، فكان لهم أباً حانياً قبل أن يكون ملكاً لا تربطه بشعبه إلا الرسميات والمناسبات المرتبة سلفاً، وكان لهم إنساناً يحس بهم ويسعى لخيرهم وراحتهم.
شملت مساحات الحزن الأشقاء في الدول العربية والإسلامية، والأصدقاء في دول العالم. ساعات حزينة ومشاعر جياشة تلمحها في حالة عجوز ترى أن فقد عبد الله بن عبد العزيز كبير وعظيم؛ تراه رجلاً شعبياً وطيباً ومحبوباً، ويتصدق على الناس، وتقول وهي تبكي «والله إنه كبير أبو متعب وقلبه نظيف. راح عبد الله، ما عاد فيه عبد الله، أبو الخيرات أبو المساكين». بهذه البساطة تعبر تلك العجوز وهي تبكي بحرقة وألم على فراق زعيم الأمة. الأحباب في ساعات الحزن على عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله - كثر، لا تكاد تحصيهم ولا تعدهم، فقد ترك خلفه فراغاً كبيراً في قلوب الناس. سمعنا رثاء وكلاماً كثيراً نعرفه عن سجايا فقيد الأمة، لكن حالات معينة استوقفتنا. بكاء طفل ودعاء بصوت مبحوح من امرأة مكلومة، ودموع رجل مسن.. صور ورسومات على صفحات الورق، وعلى الجدار جسّد أحد الرسامين - وهو الرسام السعودي أحمد زهير من مدينة جدة - صورة الفقيد وهو يمضي بعيداً عنا متكئاً على عصاه، ثم كتب بجانب الصورة عبارات مؤثرة، جاءت بهذا النص «وين رايح؟! التفت سلم علينا.. ما روينا من حنانك ومنك ما اكتفينا». كلام واقعي، مؤثر ومعبر. لم يجد هذا الشعب ولا حتى الشعوب الأخرى من الراحل إلا الخير والحب والعطف والحنان وملامسة همومهم، والسعي الجاد لحلها. لم يكن الراحل ينتظر حتى ترده الشكاوى من الناس بل كان مبادراً حال وقوع أي أزمة أو مشكلة، فكانت الأوامر تصدر سريعاً، وإن حدث تأخير في التطبيق فهو من التنفيذيين.
رحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمه الله - بعد أن ترك خلفه دولة مؤسسات بمجالسها ودوائرها وهيئاتها، وبأنظمتها ولوائحها، وبقيادات وكوادر بشرية قادرة على مواصلة المسيرة بثبات وعزيمة وكفاءة، وجيل ثالث من أبناء الأسرة المالكة على قدر عال جداً من التعليم والتدريب والتأهيل والخبرة، متناغم مع مقتضيات العصر الحالي، يبث الاطمئنان في النفوس أن مسيرة هذا الوطن ماضية إلى أن يشاء الله، ولن توقفها عبارات المحبطين ولا نعيق المرجفين الذين يتربصون بهذا الوطن.
كتبت تغريدة في تويتر بعد رحيل الفقيد، وبعد أن تنامت إلى أسماعي عبارات بعض الموتورين الذين لا يظهرون - سود الله وجوههم - إلا في أوقات الشدة والحزن دون احترام حتى لخصوصية المناسبة، فقلت: «من حسنات وقت الشدة أنك تسمع نعيق الغربان بوضوح». اللهم اكفنا شر كل حاسد وحاقد.. ودام عزك يا وطن.