هذه المقالة ليست سرداً تاريخيًّا, ولا سيرة ذاتية للملك سلمان بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ، لكنها إلماحات سريعة, وخواطر عاجلة. ومن أحاديثه ــ حفظه الله ــ الصريحة والمباشرة لا أقول نستكشف؛ لأنها واضحة وبينة ومريحة، إنما أقول: يتضح للقارئ عمق المفاهيم الوطنية والسياسية والاجتماعية والإنسانية لدى سلمان بن عبدالعزيز. فمن أحاديثه العطرة في بعض المناسبات الإعلامية قوله: «إن المملكة العربية السعودية تعي مسؤولياتها تماماً، وتتشرف بها، وخصوصاً أنها تستمد شرعيتها من كتاب الله ـــ عز وجل ــ وسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهي تريد الخير للجميع الذي هو هدف لكل إنسان في هذه الأرض».
ويقول في حديث آخر: «الإسلام يعطي الإنسان حقوقه كاملة، ويعطي الجماعات حقوقها كاملة، وهو ــ والحمد لله ــ دين يستوعب الجميع, وهو دين مكمل للرسالات السماوية».
ومن وصاياه في الحرص على الاستزادة من الثقافة والعلوم «إن الكتاب هو مدرسة وجامعة كما تعلمون، ومهما أخذ الإنسان من الشهادات أو نال من العلم فإنه إن لم يتابع الاطلاع في اختصاصه وفي غير اختصاصه سيقف فقط عند مفتاح الباب. فالشهادة من أجل الوظائف أو الحياة العامة. وأقول دائماً مع الأصدقاء والإخوان من الأدباء والمؤلفين: إن الإنسان لا يكتفي بما تعلم على مقاعد الدراسة, بل لا بد أن يواصل الاطلاع والقراءة. وفي الوقت نفسه أوصي الكتّاب والمؤلفين بأن يكونوا صادقين مع ربهم ثم مع أنفسهم ومع غيرهم، وأن يكتبوا ما يستفاد منه. ولا شك أن العلوم متنوعة، والأفكار مختلفة, ولكن يجب أن تكون الحقيقة هي هدفنا».
وعن الوسطية يقول الملك سلمان بن عبدالعزيز: «نحن أمة وسط. هناك جهة مغالية متشددة، وهناك جهة أخرى مفرطة، والله ــ عز وجل ــ أمرنا بأن نكون أمة وسطاً، لا نتطرف ذات اليمين ولا ذات اليسار. والوسطية نتيجتها التآلف والتحاب والبُعد عن الشحناء والبغضاء». ولتعزيز القيم الوطنية والانتماء لهذا البلد والحفاظ على الوحدة يقول: «أنتم تعرفون أن المملكة قامت على أقاليم كثيرة من الجزيرة العربية، ووُحِّدت - والحمد لله -، وأصبحت بلداً واحداً ومضرب المثل في الأمن والرخاء والطمأنينة، وواجبنا الحفاظ على هذه الوحدة, وصدق الانتماء.. وقد أغنانا الله بما أمد الله هذه البلاد من خيرات, وأكبر غنى عندنا هو بيت الله وحرمه، والمدينة مهجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
لقد كان سلمان بن عبدالعزيز طوال العقود الستة الماضية في قلب الحدث في هذه البلاد المباركة خادماً لدينه ووطنه ومجتمعه، وحظي بثقة ولاة الأمر وإخوانه ــ رحمهم الله ــ وتسنم مسؤوليات عديدة. وتتويجاً لهذه المسيرة الحافلة بالعطاء الوطني والإنساني والاجتماعي جاء تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ــ باختياره وليًّا للعهد تقديراً لمسيرته الحافلة في خدمة الوطن.
وسلمان بن عبدالعزيز قائد محنك، ويتمتع بصفات قيادية حميدة، أولها القدوة الحسنة في مجال العمل بالإخلاص والتضحية والمبادرة والالتزام, كما أن لديه - حفظه الله - قدرة على مزج وتكوين فريق عمل متجانس، ونظرة ثاقبة وفراسة في حسن اختيار الرجال. ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، بل يتعداه إلى المقدرة على المشاركة في رسم الخطط، والتفكير العميق، وتحويل الطموحات والأحلام إلى واقع مشاهد وملموس من خلال التخطيط السليم وتحفيز العاملين وإشعار فريق العمل بالمسؤولية ومنحهم الثقة وشحذ الهمم؛ حتى يساهموا بفعالية في إحداث التغيير. وكثيراً ما تحولت الأهداف المرسومة إلى ثمار تم قطافها بتوفيق الله ثم الخطوات العلمية والعملية المدروسة، والأهداف المحددة حجماً وزماناً، والمتابعة وتشجيع الآخرين وتحفيزهم.
وليس بغريب أن تصدر الأوامر الملكية المتنوعة، وإجراء تعديلات في عدد من الحقائب الوزارية والمراكز القيادية، وتعديلات في بعض المؤسسات العامة والأجهزة الحكومية الأخرى.. فهذه الدوائر الحكومية والمصالح ليست بغريبة على سلمان بن عبدالعزيز؛ فهو يعرف أدق تفاصيلها، ولديه إلمام واسع ومكثف عن سير العمل وأدائه ومن يقوم عليها. كما أنه في المقابل استطاع توظيف عدد من الشخصيات العلمية والعملية في أماكن ومهام لم تكن لتتم بهذا الوقت القياسي لولا أنه يعرف هذه الشخصيات المعرفة التامة، وجميع من تم اختيارهم خلفوا نجاحات في مجالات عديدة. وتكوين هذه النخبة من رجالات الدولة وقيادات العمل يؤكد صفة وموهبة القيادة عند سلمان بن عبدالعزيز في حسن الانتقاء واختيار، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وبنظرة تفاؤلية أولاً, وعملية ثانياً، وقبل ذلك بتوفيق الله - عز وجل - سيلمس المواطن والمقيم والمهتم في داخل المملكة وخارجها - بإذن الله - ثمار هذا التغيير بحسن الأداء وسرعة الإنجاز وانتقال التقنية عملياً وتطبيقات الحكومة الإلكترونية وتحقيق التميز وتحقيق خطوات للأمام.
إن الشخصيات المختارة في القطاعات كافة - وهي مزيج من الخبرة والحيوية - تبشر بالخير، وينتظر منها الكثير من الفعالية، وانعكاس ذلك على تطوير الأداء وتحسين الخدمات نحو الجودة والأجدى. وأولى علامات النجاح هي حسن اختيار فريق العمل، وتبقى الخطوة الأخرى هي تجسيد هذه الثقة من قِبل المختارين، وتحويلها إلى واقع عملي يترجم تطلعات الجميع، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان - ولا يزال - هاجسه إسعاد المواطن ورفاهيته وحفظ حقوقه وضمان عيشه بعز وكرامه.. وهي الصفات الحميدة التي عرفت عن الملك في جميع ميادين العمل. وجاء تتويج القرارات الملكية بمكرمات ملكية شملت جميع الموظفين في مختلف القطاعات, وأصحاب الاحتياجات الخاصة, وذوي الدخل المحدود من مستفيدي الضمان, والأندية الرياضية والثقافية والجمعيات الخيرية؛ لتؤكد حرص الملك سلمان على سعادة المواطن، وتكون مصداقاً عملياً على الاهتمام والعناية بالمواطن.
واليوم وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يتولى مقاليد الحكم، ويدشن العهد الجديد بحزم من القرارات المفرحة التي أسعدت قلوب الناس بفئاتهم كافة ومختلف مشاربهم، فإننا ندعو له ونقول: اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لما تحبه وترضاه من خيري الدنيا والآخرة، ولما فيه عز الإسلام والمسلمين. اللهم أيده بالإسلام، وأيد الإسلام به. اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية. اللهم هيئ له البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الخير وتعينه عليه. اللهم اكفه شرار الأشرار، وكيد الفجار، وطوارق الليل والنهار. اللهم انفع به البلاد والعباد، واقمع به أهل الزيغ والفساد. اللهم اجعله درعاً حصيناً للمسلمين. اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم اجعل قوله في هداك، واجعل عمله في رضاك. اللهم وفقه لخدمة الإسلام والمسلمين، والحجاج والمعتمرين والحرمين الشريفين. اللهم اجعل عهده ميموناً مباركاً. اللهم وفقه للعدل بين الرعية، وأعنه على ذلك, ودله على الحق. اللهم أره الحق حقاً وارزقه اتباعه، وأره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه، ووفق سمو ولي عهده، وسمو ولي ولي عهده أجمعين. اللهم واغفر لعبدك عبدالله بن عبدالعزيز, واجزه عنا خير ما جزيت عبادك الصالحين، وتقبل منه ما قدمه وما عمله من الأعمال الخيرة والبر والإحسان. اللهم أسكنه فسيح جناتك، واغفر ذنوبه، وجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.