سلمان بن عبد العزيز ليس في موضع اختبار لنعرف كيف ستكون عليه البلاد في عهده الميمون، فقد عرفه المواطنون حاكماً وحكيماً بامتياز، كما أدرك والده العظيم مبكراً، ومن بعده الملوك، ومن تولى ولاية العهد من إخوانه، ادركوا جميعاً ودون استثناء، أنهم أمام قامة كبيرة في الإدارة والتخطيط، حين أظهر في شبابه المبكر، من الكفاءة والمقدرة في تحمل العمل، ما شجعهم على وضع ثقتهم فيه، وإسناد المسئوليات الكبيرة والكثيرة لشخصه، فكان أن اتفقت وجهات النظر حول كفاءته وقدراته وتميزه، ليس من ملوك المملكة وأمرائها فحسب، وإنما من كل فئات الشعب، علماء وأكاديميين ومثقفين وإعلاميين وغيرهم.
***
هناك غير القيادة والكفاءة الإدارية يتميز بها سلمان بن عبد العزيز (الأمير ثم الملك)، وأعني بذلك صفة وفائه لملوكه وشعبه، وما كلمته العميقة أمس في مجلس الوزراء عن أخيه ورفيق دربه وشريكه في بناء هذه الدولة المتحضرة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلا ومضات من جوانب الوفاء والإنسانية التي يتمتع بها، وهي شيء من تربية سلمان بن عبد العزيز، وبعض من خصاله وسجاياه وصفاته، حيث الوفاء الذي لا يقتصر على الملوك والأمراء، وإنما يمتد إلى فئات الشعب.
***
لقد خص أخاه الملك بالقول عنه بأننا فقدنا والعالم بأسره قائداً فذاً، وزعيماً نذر حياته لتحقيق الازدهار الشامل لبلاده، والرخاء الدائم لشعبه، وبناء صروح العلم والاقتصاد والمعرفة، وإحقاق الحق، ونصرة وإعانة المظلوم، والإسهام الفاعل الشجاع في توطيد السلام والأمن والاستقرار في أنحاء العالم.
***
وعن الشعب نوه بنبل وأصالة وعراقة الشعب السعودي، وقال طالما توحدت كلمته، والتف حول قيادته، وأكد التلاحم الأصيل في أصدق صوره ومعانيه، خاصة عند الصعاب والملمات، مضيفاً بأن شعباً بهذه السجايا النبيلة، حقيق بكل تقدير واحترام، وتحقيق كل ما يصبو إليه من تقدم وازدهار ورخاء بإذن الله.
***
هكذا هو سلمان بن عبد العزيز، رجل الوفاء دائماً، من له شعبية وحظوة لدى ملوك وأمراء البلاد وعلمائها ومثقفيها ورجال الأعمال فيها، وعامة أفراد الشعب، يسرع بالإعلان بأول جلسة لمجلس الوزراء بعد مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية، وبحضور كوكبة من الوزراء الجدد والقدماء، وكأنه يرسم للوزراء وللشعب صورة من صور النبل التي هي من سجاياه، ليقول للمجلس الذي يمثل الدولة بمختلف قطاعاتها ومؤسساتها، إن الوفاء من طباعنا، ويجب تقدير الرجال والاحتفاظ لهم بالأماكن التي يستحقونها، أحياء كانوا أم أمواتاً، وأن هذا التزام لن نحيد عنه، ولا نتراجع فيه.
***
هذا الموقف النبيل، ليس غريباً أن يصدر من خادم الحرمين الشريفين، بعد مرور أيام على وفاة الملك عبد الله، وهو هنا يعبر بهذه الكلمات باسمه واسم الشعب، عن الموقف من أخيه الذي قال فيه هذا الكلام بعد وفاته كما كان يقول عنه في حياته، تثميناً منه للدور الكبير الذي تميز به عهده، كما قال عن الشعب أيضاً ما ظل يردده بأساليب مختلفة قبل أن يبايع ملكاً، وها هو يعيد من جديد تكرار نبله وأخلاقه ومحبته لشعبه الأصيل بمثل هذه الكلمات.
***
هل يمكن أمام موقف كهذا من ملك أن نغض الطرف عنه، ولا نعلق عليه، ولا نقول كلمة الحق فيه، بينما هو من يبادر إلى إسماعنا هذا النغم الجميل الذي يعبر عن الوفاء في أجمل صوره، فتطرب له الآذان حين سماعه.
شكراً لرجل الوفاء، شكراً للملك سلمان.