الانطباع المعروف بين الناس عن وزراء الداخلية في العالم - بحكم أنهم وزراء أمنيون - أنه انطباع يختلف عنه في الوزارات الأخرى، من حيث الخوف والتوجُّس والشعور بقوة السلطة لديهم، بل ربما نظر البعض لوزراء الداخلية بعدم الارتياح - وإن أظهر هذا البعض ما لا يخفيه - دون أن يعترف هذا البعض بأن انطباعه الشخصي خطأ وغير مبرَّر؛ وخصوصاً أن الوزير الأمني عنده من الأسباب ما يجعله معذوراً حتى لو كان انطباع البعض عنه صحيحاً.
***
فوزارات الداخلية - بأجهزتها المختلفة - هي صمام الأمان لاستقرار الدول؛ وتتركز مسؤولياتها في المحافظة على الأمن والاستقرار، وحماية مصالح الشعوب، والحيلولة دون تنفيذ الإرهابيين لمخططاتهم؛ ويفترض أن تكون دائماً في جاهزية عالية؛ تتتبع سلوك وتصرفات القتلة والمجرمين؛ وبالتالي تكون لضرباتها صفة الاستباقية والقوة في أكثر الأحيان قبل تنفيذ وارتكاب الجرائم من قِبل الفئات الإرهابية.
***
لكن هناك حالات انطباع استثنائية مع الأخذ بعين الاعتبار لكل ما سبق، يتمتع بها بعض الوزراء اعتماداً على المتابعة والرصد لتعاملاتهم، مع التأكيد على أن أياً من وزراء الداخلية لا يمكن أن يتنازل عن مهام مسؤولياته لإرضاء الناس. والاستثناء الذي يُخصُّ به بعض الوزراء إنما يتم استشهاداً بمواقف وأحداث حقيقية، وليست ادعاء؛ ما يعني أننا أمام صنفين من وزراء الداخلية في العالم، تترجمها انطباعات المراقبين، وترسخها في أذهان الناس وسائل الإعلام، وإن جمعت صفة الحزم التوجُّه لدى جميع وزراء الداخلية مع مَن يخالف القانون.
***
الاستثناء الحقيقي، وبكل صفات التميز، نجده - على سبيل المثال - في الأمير محمد بن نايف، الذي بويع للتو ولياً لولي العهد، وقبل ذلك في والده العظيم الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله - حيث التواضع والحنان الأبوي وصفة التسامح، دون التخلي عن مسؤولياتهما الوظيفية، أو القبول بالإخلال بالأمن، بل إن إشراك المواطن في مسؤولية ترسيخ الاستقرار وحفظ الأمن بالبلاد يأتي ضمن هذا التوجه الراسخ من سموهما؛ فالمواطن - بحسب رؤية الأمير نايف - هو رجل الأمن الأول.
***
وقد كلف هذا التسامح والحنان الأبوي - كما هو معروف - ولي ولي العهد ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، الشيءَ الكثير، بل كاد أن يفقد حياته لولا لطف الله، حين أعطى الأمان وسمح لذلك الإرهابي المطلوب بأن يقابله في قصره، بل إن سموه أجلسه بجواره، وأدناه إليه، فإذا به يفجّر نفسه في عمل جبان وموقف نذل بواسطة هاتف جوال بهدف اغتيال سمو الأمير؛ لتتناثر جثة هذا الإرهابي أشلاء دون أن يُستشهد الأمير.
***
هذه الجريمة النكراء التي أعلن تنظيم القاعدة الإرهابي في جزيرة العرب مسؤوليته عنها لم تغيِّر من طبيعة الأمير وحكمته في التعامل مع الناس؛ فها هو يبتكر - حتى بعد محاولة اغتياله - أسلوباً لم يُسبق إليه في التأثير الإيجابي على الإرهابيين، مؤداه أن يعودوا عن غيهم وضلالهم، من خلال لجان المناصحة التي أخرجت بعضهم من السجون إلى حيث النور والصلاح تائبين ومسلمين بما سمعوه من نصح وإرشاد، وإن شذ بعضهم وأنكر الجميل؛ فمارس عدوانه من جديد.
***
اختيار الأمير محمد بن نايف - وهو الوزير الجاد في العمل - ولياً لولي العهد يمثل توجهاً من الملك سلمان ومن الأسرة المالكة بتمكين الشباب في الأسرة المالكة من المشاركة بإدارة الدولة وهم في مواقع الصفوف الأولى ضمن كبار المسؤولين، كما يمثل نقلة نوعية في اختيار الرجال المناسبين للمراكز القيادية، وفي هذا إرسال رسائل للآخرين بأن المملكة ماضية في بناء مستقبلها من خلال المدرسة الراسخة التي أدار بها الملك عبدالعزيز وأنجاله الملوك هذه الدولة العظيمة، ورسموا لها سياستها.
***
المنصب الجديد سيضيف أعباء أخرى ومسؤوليات كثيرة على سمو الأمير؛ وسيجد محمد بن نايف أنه أمام تحديات جديدة، هو أهلٌ لها بكل تأكيد، فيما سيظل سقف الاطمئنان على الحالة السعودية المتميزة عالياً بوجود شاب على رأس وزارة الداخلية مع مبايعته ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء؛ فله منا الدعاء بأن يوفقه الله لخدمة الوطن والمواطن كعهدنا به دائماً.