قام المركز الوطني للطب البديل والتكميلي - مؤخراً - بنشر إعلان صحفي عن (مراحل الترخيص لممارسة الحجامة)، وهي خمس مراحل تبدأ بتدريب المدرِّبين، ثم يليها اعتماد معاهد ومراكز لتدريب ممارسي الحجامة، يليها تدريب ممارسي الحجامة
الذين يجب أن يكونوا من فئات الأطباء أو من أخصائيي العلاج الطبيعي أو التمريض أو الطب التكميلي أو من الحاصلين على دبلوم فني صحي بعد الثانوية، ثم يلي ذلك الترخيص للممارسين عند توافر شروط الترخيص (التصنيف المهني من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، اجتياز البرنامج التدريبي لممارسي الحجامة، واجتياز امتحان المركز الوطني واللياقة الصحية)، والمرحلة الخامسة والأخيرة هي الترخيص لعيادة ممارس الحجامة المستوفية للشروط المعلنة على موقع المركز.
هذا الإعلان له دلالته التي تسطع وضوحاً وهي انتهاج الأسلوب النظامي والعلمي في الترخيص بممارسة الحجامة كمهنة صحية، التي دار حولها الجدل قبل أكثر من ثماني سنوات. فهي مهنة تحظى بتقدير واسع وسمعة طيبة عند الناس لما يحيط بها من مشاعر روحانية منشؤها أن النبي محمداً عليه الصلاة والسلام أوصى بها، وأيضاً طبقها على نفسه، فأصبحت سنة تقريرية وعملية.
أما أسباب الجدل الذي أشرت إليه فقد ظهرت من جانبين. الجانب الأول ما تفشّى آنذاك من استغلال سيئ لعواطف الناس تجاه ممارسة علاجية أوصى بها الرسول. فقد مورست على نطاق واسع من فئات مختلفة من الناس، منهم الحلاقون وممارسو الطب الشعبي وأطباء وغيرهم. وتمادى بعضهم في الإعلان عبر نشراتٍ مطبوعة عن خبرته في علاج الأمراض بالحجامة، ولم يبق مرض من الأمراض المستعصية والخطيرة إلا وأدرجوه في قائمة الأمراض التي تشفيها الحجامة بما في ذلك السرطان والأيدز.
وكان واضحاً من ذلك الانتشار العشوائي للممارسة أنها صارت وسيلة استرزاق سهلة لا تحتاج إلى تسويقٍ مجهد، ما دامت تستغل فيها حاجة المرضى الذين يبحثون عن شفاء لمعاناتهم الطويلة وشعورهم الإيماني القوي بفعالية الحجامة لكونها من وصفات الطب النبوي التي أوصى بها الرسول الكريم.
ولما كان الممارسون لا يخضعون لمعايير مقننة في التأهيل أو في بيئة العمل (المحل أو العيادة أو المنزل) فقد كان المرضى عرضة للإصابة بالتهابات من جراء الحجامة - الرطبة خصوصاً - وعدم الالتزام بمتطلبات الصحة العامة في بيئة العمل ؛ كما كان يترتب على عدم إلمامهم بالحالة المرضية والتشخيص السليم أن يظل المرض الأساسي مجهولاً أو بدون علاج، أو قد يستشري بسبب تضادّه مع الحجامة.
مثل هذا الوضع أثار قلق الجهات الصحية المسؤولة عن تقديم الخدمات الصحية وطلبت بحثه في مجلس الخدمات الصحية (المسمى الآن المجلس الصحي السعودي) عام 1428هـ.
وكانت الرغبة الأساسية تتمثل في بحث مجالات وشروط الاستخدام والجدوى من الناحية الطبية والحد من سوء الاستخدام. وكلف المجلس لجنة من الخبراء برئاسة الدكتور عبدالله البداح - المدير التنفيذي الحالي لمركز الطب البديل.
وقامت اللجنة باستقصاء الأدبيات المنشورة عن هذه الممارسة، آخذة في الاعتبار الخلفية الدينية للموضوع وممارسة الحجامة في عصر النبوة والخلفية التاريخية لاستخدامها عند بعض الشعوب كالصين مثلاً.
ولم تجد اللجنة دراسات حديثة قائمة على تجارب علمية مؤكدة، لكنها أوضحت في تقريرها ما وجدته في الأدبيات بشأن مجالات استخدامها وشهادات إيجابية بنتائجها بموجب خبرات شخصية وموانع استخدامها والأوقات المناسبة لإجرائها.
وخلصت اللجنة إلى التشديد على أهمية وضع ضوابط واشتراطات لممارسة الحجامة تمنع سوء استخدامها ومضاعفاتها.
وهنا يأتي السبب الثاني للجدل الذي ثار حول الموضوع. فإنه عندما عُرض تقرير اللجنة على مجلس الخدمات الصحية آنذاك، وتمت مناقشته ومناقشة رئيس اللجنة، رأى المجلس أنه لا يتوافر إثبات علمي موثق لفائدتها، وقرّر نتيجة لذلك عدم الموافقة على إجازة ممارسة الحجامة، ولكنه طلب من مركز الطب البديل متابعة المستجدات العلمية ؛ ووافق فيما بعد على طلب اللجنة الاستشارية للمركز بإجراء دراسة موسعة عن الحجامة.
فالمجلس إذن قرّر عدم الموافقة على إجازة الممارسة أي الترخيص لها، لأنه يتطلب حسب نظام ممارسة المهن الصحية تأهيلاً معترفاً به من مؤسسة علمية صحية معتمدة. ومع ذلك فقد أحدث القرار صدى سلبياً، وحضر لمجلس الخدمات الصحية بعض الأطباء الذين أكدوا على كون الأخذ بهذا العلاج سنّة نبوية، فلا يجوز منعه.
وظهرت مقالات في الصحف تؤكد الرأي نفسه. وبعثت اللجنة الدائمة للإفتاء خطاباً إلى مجلس الخدمات الصحية يخطِّئ القرار لأنه يعارض السنة النبوية.
وجميع هذه الأصداء انطلقت من فهمها للقرار على أنه منع للحجامة وإنكار للسنة النبوية، في حين أنه كان يعني عدم الموافقة على الترخيص بالممارسة الذي يتطلب - حسب النظام - اشتراطات معينة ليست متوافرة لدى أغلب الممارسين.
وأما ماورد في القرار من عدم توافر إثبات علمي موثق لفائدتها لم يكن نفياً لسنّة نبوية، بل وصفاً للواقع من معطيات التقرير، وهو أن الدراسات التي اطلع المجلس عليها خالية من إثبات علمي موثق يبيّن أي الأمراض أمكن علاجها نوعياً بالحجامة، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل إن فيها شفاء لكل داء.
ومن يطلع على كتاب (الحجامة) للدكتور جمال محمد الزكي عضو جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة يجد أنه في الأغلبية العظمى من الأمراض التي شملت معظم أعضاء الجسم حصل تحسّن في التروية الدموية وتنشيط للجهاز المناعي، وهذا أمر مرغوب ومفيد، ولكنه لايدل على علاج نوعي، أو أنه لا يستمر طويلاً ويلزم معه تكرار المعالجة.
لذلك فإن ممارستها بدون قواعد وضوابط واشتراطات إجرائية ومهنية تحمي المرضى وتحدّد المسؤولية المهنية، قد يؤدي إلى سوء الاستخدام والاستهانة بأرواح الناس.
والآن - بعد إعلان المركز الوطني للطب البديل عن بدء خطوات الترخيص وتحديد متطلبات التدريب وشروط الممارسة - فإن التحفظات السابقة لمجلس الخدمات الصحية تكون بذلك قد أزيلت، ويصبح الممارس خاضعاً لأنظمة مزاولة المهنة في المملكة.