* قبل نحو عشرة أيام من هذا الشهر فقد الوطن ركناً قويماً من أركانه بوفاة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيّب الله ثراه وأكرم مثواه، وانتقلت إليكم يا سيدي مقاليدُ السلطة في هذا البلد الأمين، عبر آليةٍ حضارية ساميةِ الغاية، مُحْكمةِ التدبير، حكيمةِ النتائج، كان الفقيدُ الغالي قد أرسى دعائمهَا خدمة لأمن هذه البلاد واستقرارها.
* * *
* بات الناسُ مساء الخميس قبل الماضي وهم يدعون للراحل العظيم عبدالله بن عبدالعزيز بالشفاء مما ألمّ به، كما اعتادوا في كل لحظة من ليل أو نهار إبّان مرضه، وأصبحوا مبكَّرين لينقل إلى أسماعهم الأثيرُ الحزينُ نبأَ وفاتِه رحمه الله وأنزله فسيح جناته، واستطعتم يا سيدي بفضل من الله أن تعيدُوا ترتيب (بيت السلطة) عبر نقلة حضارية شهد لها العالم بالمرونة والحكمة!
* * *
* سيدي.. عرفكم الناس من قدم داخل هذه البلاد وخارجها بالحاكم الحازم في التصدَّي للنوائب متوَّجاً بسداد الرأي، ولذا، فإن شعبكم الوفي يتطلع بتفاؤل وثقة كبيرين إلى عهدكم الميمون الواعدِ بكل خير، ويدعو لكم بالعون والعز والتوفيق، كي تستكملوا مسيرة أخيكم الراحل العظيم عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، في تحقيق المزيد من إنجازات التنمية والبناء.
* * *
* سيدي.. حكمتم باقتدار عاصمة العز (الرياض) نحو خمسين عاماً أو تزيد، فأنجزتم لها ما لا عينٌ رأت من قَبلُ ولا لسانٌ ذكر أو ذهن تذكر، فإذا البلدة المتواضعة وسط نجد، تنتفض على نفسها حضارياً، وتتمدد في كل الجهات شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً تمدُّداً مذهلاً، ويقفز عدد السكان فيها ليعانق الخمسة الملايين نسمة أو تزيد، وتشهد المدينة لأول مرة ناطحات السحاب، والطرق العالية السريعة، والأنفاق وغير ذلك من منجزات البُنية التحتية، وقريباً بإذن الله سيستعين سكانها بالقطارات الضخمة والحافلات الكبيرة ليُخفَّفَ من عبء الكثافة المرورية والسكانية في الشوارع العامة والطرقات.
* * *
* أجل.. يا سيدي كنت أنت (مهندس) تلك النقلة الحضارية الجبارة لحبيبتنا (الرياض)، يحمل بصماتَك كل مشروع تحقق أو ما برح رهن الإنجاز، وأزعم أن هذه المدينة رغم ما تحقق لها عبر العقود الماضية تنتظرُ المزيدَ من البذل والبناء والتطوير لمرافقِها الحياتية، وقطاعاتها الخدمية، مع الاستعانة بالتقنية الحديثة علاجاً للمشكلات التي ترتبها كثافةُ الناس، سكناً ونقلاً وصحة بيئية، ومضاعفة الجهد لإيجاد بنية ترفيهية مناسبة لهم، تلائم قيمَهم واحتيَاجاتِهم.
* * *
* أما على الصعيد الإداري، فقد عُرِفتَ يا سيدي منذ زمن طويل بالحس الإداري المرهف، والذاكرة الحية، والدقة في الأداء، والحرص على تجنب الخطأ ما أمكن، يؤازرُ ذلك احترامٌ مشهود للوقت والتزام بآدابه وضوابطه وغدوت يا سيدي بذلك قدوةً قويمةً للناس!
* * *
* وعلى الصعيد الشخصي، شرفتُ يا سيدي بمعرفتك قبل نحو ثلاثين عاماً تقريباً إبّان توليك ولاية حكم الرياض وتأسس لك منذئذ في خاطري رصيد من الإعجاب والتقدير، يتكئ على عدة أمور، في مقدمتها اهتمامك الدقيق بالحراك الثقافي في البلاد، فأنت قارئ نهم، وناقد ملهم لما يطرحه رصيفُ الصحافة المحلية والخارجية في الشأن السياسي والثقافي والاجتماعي، وصدَقَ من لقبك بـ(صديق الصحفيين) إذ تربطك بالعديد منهم، داخل المملكة وخارجها، علاقات رصينة، وكنت تتصل ببعضهم تعبيراً عن أعجاب بمعالجة موضوع أو تقويم لمعلومة تاريخية أو ميدانية خانه الصواب في إدراكها، وفي كلا الحالين كنت تؤسس في نفس من اتصلت به شعوراً جاذباً له نحوك محبةً وولاءً وتقديراً، فأنت يا سيدي مثقف بامتياز ثقافةً تتكئ إلى جداول من المعرفة والتجربة الحياتية المباشرة وغير المباشرة مِمّا أسميته ذات يوم (جامعة الحياة)! والكل يعلم من قبل ومن بعد أن شغفَ القراءة ومتابعتَها أحدُ العوامل المؤسّسة لهذا الحس الثقافي المترف!
* * *
* حفظك الله يا سيدي وأدام عزك وشد أزرك بولي عهدك وولي ولي عهده الكريمين، وزادكم قوةً وتوفيقاً لخدمة هذا الكيان، حكومةً وشعباً.