لا زال لدينا مشكلة في تسمية الأشياء بمسمّياتها، ونظرة فاحصة على ردود الفعل تجاه حوادث شرورة، وعرعر، وباريس، وسيدني، وهي حوادث فيها مشترك واحد: إذ إنّ فاعليها ينسبون أنفسهم للإسلام، يتبين أن هناك تعاطفاً، أو على الأقل لا مبالاة، تجاه هذه الحوادث الإرهابية العنيفة، وهذا نذير سوء، ويعني أن لدينا مشكلة حقيقية في تقديرنا للأمور، ومن خلال متابعاتي الدقيقة للتغطيات الإعلامية الواسعة لحادثة باريس، أرى - للأسف - أن الإسلام، وليس التطرف الإسلامي أصبح في مواجهة حقيقية تاريخية مع الغرب، ويفترض أن يدق هذا ناقوس الخطر لدى كل من يهمه أمر هذا الدين، ويصعب تقدير عواقب حادثة باريس، ولكن من الواضح أن التسامح الغربي مع المسلمين في طريقه لأن يصبح جزءاً من التاريخ.
بعد حادثة باريس، استنكر كثير من المحللين الغربيين صمت بعض زعامات العالم الإسلامي، ورجالات الدين فيها عن شجب الحادثة، إذ يفترض أن يكونوا أكثر المستائين منها، لأنها تسيء لدينهم، ولبلدانهم، وقبل ذلك تحدث الكاتب الأمريكي فريد زكريا عن عدم اكتراث المسلمين من الأفعال الشنيعة التي يقوم بها تنظيم داعش، وقال إننا نشاهد الكثير من المسيرات تخرج في العالم العربي، خصوصاً بعد الربيع العربي، ولكننا لم نشاهد مسيرة واحدة تخرج للتنديد بداعش، وأفعالها الإجرامية، ثم طرح تساؤلاً ملغوماً، إذ قال: «إذا كان المسلمون يقولون إن داعش لا تمثل الإسلام، وأنها تسيء له، فلمَ لا يشجبونها بأقذع العبارات، ولمَ لا نشاهد مسيرات مليونية في العالم الإسلامي تندد بداعش، وتدافع عن دينها الذي يشوهه هذا التنظيم الإجرامي؟!»، وخطورة هذا التساؤل هي أنه يحاول أن يقول إن داعش هي الإسلام، مهما حاول المسلمون التملص من هذه الحقيقة، وعلينا أن ندرك أن زكريا ليس أي أحد، فكلمته مسموعة من قبل صنّاع القرار في عموم العالم الغربي!.
حسناً، معظم المثقفين المسلمين كتبوا، وشجبوا حادثة باريس، ولكنه شجب يشبه التأييد، فعندما يشجب أحدهم، ثم «يلكنن» الشجب، أي يستخدم كلمة «لكن»، فهو في هذه الحالة يؤيد الحادثة دون وعي، فمن يقول: «إن حادثة باريس عمل إرهابي، ولكن علينا أن لا ننسى عدد الجزائريين الذين قتلهم الاستعمار الفرنسي»، فهذا يعني أنه يشرعن للحادثة في عقله الباطن، وأعتقد أن هذه النقطة تحديداً هي التي كان يتحدث عنها زكريا، وتحدث عنها غيره من مثقفي الغرب، ومرة أخرى، يؤلمنا أن نعترف بأن هناك شعبية كبيرة لتنظيم داعش، ويؤلمنا أكثر أن نعترف بأن الإسلام، والمسلمين سيدخلون في مواجهة حتمية مع الغرب، وما لم يسمِّ المسلمون الأشياء بمسمّياتها، ويشجب مثقفوهم، وعلماؤهم، ودعاتهم الإرهاب دون «لكننه»، فإن الأمور لن تسير على خير، فكل الدلائل تشير إلى أن صبر الغرب بدأ ينفد، ومثلما رأينا منه الوجه المتسامح، فإننا قد نرى منه الوجه الآخر، فاستعدوا!.