(لا تستطيع أن تقلع رائحة زهرة مهما سحقتها تحت قدميك)
سيطرة الإيديولوجيا في مشهد الثمانينيات كانت مؤسفة جداً، ولم تظهر بشاعتها إلا الآن بعد نشوء مرحلة جديدة من التنوير والتسامح وقبول الآخر والتي بدأت بعد استيقاظ البلاد على فاجعة الحادي عشر من سبتمبر في 2001م.
لولا مشيئة الله ثم تلك الحادثة لكنا حتى يومنا هذا تحت رحمة الإيديولوجيا تسير حياتنا وفق مشيئتها وإرادتها.
القتل أنواع وبعضه لا تسيل له دماء، لكن له أنين ووجع يسمع الأحياء ولو بعد حين، ومن هذا القتل ما يسمى بالسلب الفكري للحقوق، ومنه ما حدث للدكتور سعيد السريحي حيث حجبت عنه درجة الدكتوراه ومزاياها المعنوية والمالية طوال عشرين سنة تقريباً، وترتب على ذلك خسائر فادحة دفع ثمنها فقط لأنه مختلف عن الإيديولوجيا السائدة، مع أن من يستمع للسريحي وهو يتحدث يمنحه شهادتين دكتوراه لسلامة لغته وتفصحه وبلاغته بينما تجد اللحن وضيق الأفق وضحالة الثقافة ممن سبقت أسماءهم درجة الأستاذية الممنوحة لهم نظير انتمائهم للإيديولوجيا وإخلاصهم لها.
الأدلجة لم تبرح بعد لكن سطوتها ضعفت كثيراً ولم تعد تظهر بوجهها الحقيقي بل تتخذ أساليب أخرى بحيث لا تعبر عن نفسها كإيديولوجيا أو فكر لمجموعة بل تتذرع بالعلمية أو المهنية وتحشد حشودها لنصرة من يشبهها وتسخر له إمكاناتها ونفوذها، وتتخادل وتضيق على من لا يشبهها.
حرية الجامعات واستقلالية الفكر الأكاديمي ودور الجامعة التنويري والثقافي في المجتمع تعني احترام كل دارس واحترام كل باحث طالما أنه لم يمس الشرعية الدينية ولم يدع إلى طائفية ولم يأتِ بما يجرح الدين والوطن.
من حق السريحي أن ينال الدرجة ومثله كثيرون تضرروا على مدى هذه الحقبة الزمنية، ومنهم من قضى نحبه ولم يعد له أمل في العدالة الأكاديمية، ومنهم من ما زال يحلم بيقظة أكاديمية تحتكم للتميز العلمي والجدة والأصالة في الأبحاث وتقدير كل من يحرك الآسن بأسئلته وفرضياته بدلاً من إنفاق بعض الجامعات أموالها على إعادة طباعة الورق المجمعة من الكتب وكأنها إعادة تدوير. لابد من أن تدخل جامعاتنا عصراً فكرياً يتواءم مع حداثة مبانيها وتقنياتها وتجهيزاتها وتطلعات القيادة لها، لا أن تبقى الأمور كما هي عليه قبل عشرين سنة.
إنني أهيب بمعالي الدكتور خالد السبتي وزير التعليم العالي المعروف بإنصافه وجديته أن يشكل لجنة عاجلة لدراسة موضوع المواطن المثقف سعيد السريحي ويعيد له حقه إن ثبت خطأ جامعته، فالله سبحانه عدل يحب العادلين.