تتجه بعض المدارس لإفادة طلابها، بتنظيم رحلات هادفة لهم، بعضها داخل الوطن كما قيل، وبعضها خارج الوطن كما أعلم..، وتتم هذه التجربة بإشراف تربوي منتقى، وأمين، وباختيار عناصر ذات اختصاص من هيئتها التعليمية، وبمشاركة والديه، تضع الطالب، وأسرته في مواجهة المسؤولية، بمثل ما تضعهما في معترك التجربة..
فمن حيث يستقلُّ الطالب بمسؤوليته بالاعتماد على نفسه، يكون تحت متابعة واعية، وأبوية من قبل موفودي المدرسة معه، وتكتسب في الوقت ذاته الأسرة تجربة رفع الوصاية عن الابن لتمنحه جزءاً من الحرية المنضبطة في ممارسته السفر بعيداً عنها، والاعتماد على النفس مرافقاً ذاته، وزملاءه، ومعلميه، أسرته الثانية الحميمة والأثيرة، مستمتعاً معهم ببرامج الخبرات العديدة التي يقرها له جدول الرحلة..
الجميل أن هذه التجربة تتم برؤية تربوية، وبجهود ذوي خبرة، وبهدف تبادل الخبرات واكتساب المهارات الصغيرة التي تلعب دوراً مهماً في ثقة الطالب بنفسه، بوصفه فرداً سيكون ذات يوم واحداً في مواجهة الحياة عند تبادله العطاء فيها، والأخذ..،
وهذه التجربة تمكنه من صقل شخصيته، والثقة في ذاته، والتعرف على جوانب لم يكن يعرفها في نفسه..
إن استغلال الأيام التي تمنح نظاماً للطلاب خارج أسوار البيت، والمدرسة في اكتساب خبرات حياتية، ومعرفية، وثقافية في تجربة مواجهة النفس، ومواجهة المواقف مع الآخرين على انفراد في مرحلة من العمر يتشكل فيها سلوك الأبناء وفق توجيهات الوالدين المباشرة، ليتولوا بأنفسهم هذه المسؤولية، وهذه المباشرة ولو في مدة مختصرة، وتجربة مكثفة لهو جانب مميز في توجه التعليم، ومؤسساته التربوية..
فمنذ مدرسة العرب الأولى كان الآباء يرحِّلون أبناءهم لتلقي المعرفة، واكتساب اللغة من القبائل، وصقل المدارك، بل كانوا يزجون بهم في معترك العمل في مجالات عديدة كالتجارة، والبناء، والصيد، والرعي، والعمل مع ذوي العلم، ونحوهم باختلاف الفترات، ونوع التجارب.....
إن طريق الحياة وحده مدرسة، تحتاج لأن تفتح فيه الإشارة الخضراء لقوافل صباهم كي يكتسبوا..، وإن أجمل، وأجدى ما يكتسبون يتحقق وهم في معية من يرعاهم، لكن دون أن يحرمهم الإحساس بذواتهم..
هكذا تُصنع العناصر البشرية لتكون قادرة على مواجهة الحياة، وتطلعات المبادرة..
أحيي مدارس «الملك فيصل» في الرياض وهي تقدم على هذه البرامج المتقدمة في الرؤية، والطامحة في الفائدة، فهي المكتسبة حصاد النتائج..
* * *
سألتقيكم قرائي الأعزاء في الأسبوع الذي يلي، فكونوا في وئام، وفرح، وسلام، ورضا..وحفظ من الله، وتوفيقه..