من أولى علامات التدهور في قوة المسلمين أن يرضوا بالتدخل السافر في نظام وقواعد وتشريعات الدين من قِبل من يدعون حقوق الإنسان وهم أول المنتهكين لها..
والأحداث, ووقائع التاريخ, والفتن والحروب والأسلحة كلها من نبعهم، وممتدة عن جداولهم، وتمتد للعالم كله..
هم يدعون الحرص على حقوق الإنسان.. بينما تنتهك حقوقه أطماعهم، وتحرقها فتائل نيرانهم.. وقد لحقت بجميع جهات الأرض..!
وتتحكم سياساتهم بفتائلها، أهدافهم أن يحكموا العالم، ويسخِّروا مقدَّراته لأغراضهم التوسعية؛ ليتفردوا بالهيمنة، وتبقى لهم السيادة..!
وعن جميع الأحداث المنتشرة، والقائمة على صفيح الأرض تلهبه, يأتي السؤال:
كيف لا تُحارَب قوانين الأديان الأخرى، ولا تُعارض أنظمة الكنائس, ولا تُرْفض قرارات البابا, والقساوسة، حين يكون الأمر متعلقاً بتشريعاتهم..؟
ومنها على سبيل مثال يسير, وبدهي هو منع دخول النساء للكنائس في أماكنها من غير لباس ساتر.. ولا يحتج على هذا كحق للمرأة، ولم يضمَّن في قائمة حقوق الإنسان، وفي صرخات هيئات هذه الحقوق، ولم تشمله قائمة موضوعات الحريات الشخصية..؟!!
بل ينفذ كل تشريع, وتقام كل عقوبة.. والجميع يتقبل، بما في ذلك احترام وتقديس «تمثال» من مادة أياً كانت هو عندهم رمز للإله..!! تنزه الإله عما يفعلون..
بينما تقوم القائمة، وتشتعل أروقة حقوق الإنسان حين تمتثل دولة مسلمة تطبيق حد من حدود شرع الله فيمن يستحق أن يقام عليه امتثالاً لأمر الله لا للبشر من يدعون بنوته, وتمثيله على الأرض, تعالى الله الواحد, وتنزه عما يقولون..؟!
لقد ضعف المسلمون، عندما خنعوا لكل كبيرة وصغيرة، ينشدها منهم ولهم غير المسلمين..
واقتحمت سياجاتهم العقدية بسفور حتى دخل من يدعي الإسلام في طحلب التورية, والتعمية, والخلط المشَوِّه بأفعالهم، وليس بالإسلام في أجلِّ نقائه, وصحته.
إن المسلم لو كان يعي إسلامه حق الوعي, أو كان قد عُلم منطقه كما ينبغي، وملك زمام حجته باقتدار، وتعرف سلامه بمعرفة، وقيمه برضا، وتأسس على فهم عدالته بممارستها, وكفاياته بثرائها، وتدرب على الطاعة لمقتضى كتاب ربه باستسلام, وسُنة رسوله باقتداء, وربي على التأدب مع خالقه بمعرفته، وغرست فيه الخشية من عقوبته، وتوطنت فيه الثقة في مثوبته، وآمن حق الإيمان بأركان دينه الذي ارتضاه له, وواجباته التي فرضها عليه، لكان أول من يُهاب أن يقتحم سياجاته العقدية من كان.. ولوقف عزيزاً يقدره العالم بمن فيه، ولا يجرؤ أحد أن يستهين به.. أو يتدخل في عقيدته وتشريعاتها..
ولبنى، وأسس قواماته على نقاء هذا الدين، وغدا قدوة لكل من على أي مكان في الأرض, أو زمان..
ولتعايش في وئام وهو عزيز، مع أي قوى وإن تسيدت..
ولما استطاع أي جهلة بأغراضهم أن يخلطوا سمو الإسلام بدنو غاياتهم..
فالإيمان عز, والإسلام الصحيح منعة, والعقيدة الصادقة نور..
به تنبلج الشبهات, وتتطهر الحقائق..
لكن المسلمين تدهوروا مذ ثبطت عزائم طاعاتهم, ووهنوا في العمل من أجل أمتهم، وتفشت فيهم الضحالة في معرفة دينهم، وتهاونوا عن إثراء مخبرهم بعلومه, وتطويع أنفسهم له؛ لذا أساءت إليهم أغراض المتأسلمين، وغلبتهم أطماع المتهيمنين..
ولم يبقَ إلا القلة من الدول تحكم شرع الله، وتكافح من أجل صد ريح من يفت في عضدها, وأولهم هذه البلاد حرسها الله.
إن أول الأديان احتراماً لحقوق الإنسان هو الإسلام.. وأول الدعاة لحرية الإنسان هو رسول الإسلام, فاللهم صلِّ عليه وسلم, وبارك عليه وزد, وثبتنا على طاعته، وتفضل علينا برضاك.
واللهم أدم علينا نعمة الإسلام، وقوه في نفوسنا, ووفقنا لدوام العمل بتشريعاته، والاقتداء بمعلم البشرية عليه الصلاة والسلام، واتباعه.. واحفظنا من كل اتجاه.. وزدنا علماً، وبارك في كل نبض تدب قدما صاحبه على هذه الأرض يا سلام..