يقول المثل الأجنبي أن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة. فالكثير مما نفعله بـ «نية حسنة» قد لا يكون صائباً وقد تكون نتائجه وخيمة، ولا يغير في الأمر أن تكون نوايانا حسنة عندما تقع الواقعة، فالعبرة في النتائج.
وفي ثقافتنا العربية يبدو أن موضوع «النتائج» هو آخر ما يفكر فيه الناس وبخاصة من يسمون أنفسهم بـ «النُخب». ففي الكثير من الطروحات التي تتعلق بأمور مصيرية تسيطر علينا العاطفة، وتقودنا إلى تبني مواقف تأخذنا بعيداً جداً عن الغاية التي نتمنى الوصول إليها.
بعض ما يُقال في الندوات والمؤتمرات وما يُكتب في الصحف ويُنشر في وسائل الإعلام العربية هو أقرب إلى «الفضفضة» وليس إلى «التفكير الهادئ» الذي يحلل المشكلات بواقعية ويبحث لها عن حلول مناسبة. وفي مجالسنا يسيطر علينا ما يسمى بـ «التفكير الرغبي» wishful thinking وليس «التفكير». فنحن نفكر في الأمور وفق ما نتمنى أن تكون عليه وليس وفق ما يمكن أن تؤول إليه.
هذا «التفكير الرغبي» مزروع في ثقافتنا منذ أشعار الفخر التي تبالغ في تصوير عظمة القبيلة وإلى اليوم في الشعر الشعبي المعاصر لكبار وصغار الشعراء المفتونين بعظمة قبائلهم أو جماعاتهم أو عائلاتهم أو أشخاص يرونهم رموزاً فوق مستوى العالمين!
وقد نشأت أجيالٌ كثيرة من الشباب العربي وهي تسمع ما تهدر به محطات الإذاعات العربية من أغان وطنية وقصائد وتقارير وأخبار تُهَوِّن من إمكانيات العدو الإسرائيلي وتبالغ في وصف التفوق العربي المتخيل، وقد صدقنا كل ما نسمع ثم اكتشفنا أن المغني الذي كان يردد قصيدة «طلعنا عليهم طلوع المنون، فطاروا هباءً وصاروا سُدى»، لا يختلف عن أخيه الذي يصدح صباح مساء «ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل!»، وكلاهما غارقٌ في الوهم.
وما زال التاريخ يعيد نفسه كل يوم في حياتنا العربية، ولا زالت الأخطاء تتكرر وكأننا لا نستفيد من الدروس حتى وجدنا أنها ليست إسرائيل فقط هي التي تعادينا وإنما أيضاً خلقنا لأنفسنا أعداء وخصوماً آخرين يستغربون مما نفعل بأنفسنا قبل ما نفعله بالآخرين في هذا العالم الذي يتنافس ويخترع وينمي ويبني ويتسابق على الريادة!