* ليس هناك أي مجال للشك؛ أن الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، يحمل مشروعاً إصلاحياً واضحاً لإصلاح هذا الجهاز الشاغل للمجتمع، الذي خلق لنفسه بتصرفاته الميدانية؛ فجوة بينه وبين المجتمع، بتجاوزات كثيرة، وبطبيعة عقلية صعبة؛ تغلب على بعض فروعه.
* المشروع الإصلاحي للجهاز ولمنسوبيه كافة، يجب أن يركز على إصلاح الطريقة التي يفكر بها الهيئيون في نظرتهم للمجتمع، وفي فهمهم للعلاقة التي تربطهم كموظفين حكوميين بهذا المجتمع، وأن يكون هناك نظام معتمد يعرفه كل المجتمع، ويعرفه الصغير والكبير من هؤلاء الموظفين في الهيئات، فيتقيدون به ولا يتجاوزونه، وأن تعقد دورات صقل مكثفة للهيئيين في العلاقات العامة، وفي طريقة التعامل الإنساني مع كل الناس على مختلف أعمارهم وأجناسهم وأديانهم ومذاهبهم، فشكل الموظفين وهيئتهم وسياراتهم وجنود الأمن معهم.. كل هذا لا يخلق ألفة بين رجل الهيئة والناس في ميدان عام يضج بالحركة.
* بعد يومين من حادث توقيف طالبات جامعيات في الطائف وإنزالهن في شارع عام بالقوة من قبل ثلاثة هيئيين، هاتفت الدكتور عبداللطيف آل الشيخ؛ محيياً على سرعته في التدخل، وموقفه الشجاع الذي نتج عنه تشكيل لجنتين للتحقيق؛ أعلنت في قرار عاجل خطأ إجراء الهيئيين، وخطورة ما تعرض له (21 طالبة) من إنزال على الرصيف، وسحب جوالاتهن، وسجن سائق الحافلة، ووصف ما وقع بأنه غير نظامي، وأن الهيئيين (كذبوا وزوروا ولبسوا ودلسوا)، ولهذا صدر قرار بنقلهم ولفت نظر رئيسهم.
كثير من المواطنين في الطائف، المحبين لجهاز الهيئة وليس المدافعين عنه بغباء؛ سرّهم هذا القرار المنصف، وأفرحهم اعتذار الرئيس العام وتدخله لإطلاق سراح سائق الحافلة.
* في محادثتي هذه مع الدكتور عبداللطيف، حييته وشكرته، ودعوته لزيارة الطائف، لأن نخبة من (ملتقى عشاق الطائف على الفيس بوك والتويتر)؛ من بين (4000 عضو فيه)، يرغبون في الاجتماع به، والاستماع إليه، وإسماعه ما يشغلهم من هموم هي في صلب همه الذي يسعى إليه لإصلاح هذا الجهاز منذ توليه قيادته، فرحب ووعد، ونحن بانتظار إنجاز هذا الوعد.
* من المؤسف أن حادث طالبات الطائف ليس الأول، ولعله يكون الأخير. لقد سبقه عدة حوادث لأعضاء في فروع الهيئة في الرياض وفي مناطق أخرى، ونتج عنها ظلم وتعسف وإساءات لعدد من المواطنين والمواطنات والمقيمين على التراب الوطني، وأزهقت أرواح بسبب تصرفات طائشة تسيء إلى هيئات الأمر بالمعروف، وتسيء لبلدنا ومجتمعنا كافة، فنحن نعيش في زمن الإنترنت وسرعة المعلومات، وزمن حقوق الإنسان، وما يحدث في قرية نائية في بلادنا؛ يصبح مشاهداً بعد ثوان معدودات في كل القارات، ولا مجال للاجتهادات الفردية والمواقف الحماسية، لأن النظام هو سيد الموقف بين الموظف والمجتمع، وأفراد الهيئات موظفون حكوميون لا أكثر، فليسوا ملائكة، ولا أنبياء، ولا أوصياء، ولا قداسة لفهم أو شخص في مصلحة عامة، ومن اسم الهيئات يبرز مفهوم (المعروف) الذي هو بنائية عملية لدورها الأخلاقي بالحسنى في المجتمع، وهذا يكفي لدرء التعالي في التعاطي مع الناس، فلا مكان للعنف أو الإساءات اللفظية والجسدية، ولا موجب لهتك أعراض الناس وكشف أسرارهم، ولا موجب كذلك لمحاولات الالتفاف على خطأ وقع فيه فرد أو أكثر من موظفي الهيئات، عندما يتم اللجوء لمحاضر مزورة، ومحاولات للتواطؤ على الكذب والتدليس؛ للخروج من هكذا مأزق بأساليب لا يرضاها دين ولا عرف ولا أخلاق ولا نظام، وهذا كله أشار إليه قرار الرئاسة العامة في تفنيد ملابسات حادث طالبات الطائف، وجاء مثله في حوادث سابقة منها في الرياض وغيرها، وما تفعله الرئاسة في تسمية الأشياء بأسمائها في تحقيقاتها في حوادث كهذه، هو عين الصواب، وهو لب الشفافية التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- مرات ومرات، ولن يكون هناك إصلاح في جهاز الهيئات؛ إذا لم توضع النقاط على الحروف، ويقال للأعور أعور في عينه كما يقال، وهذا ما يفعله الرئيس العام اليوم هو ومن معه من القياديين المخلصين في الجهاز نفسه، وما ينبغي أن يقوم به الإعلام في نقد ما يجري من تعاطي بين جهاز الهيئات وأفراد المجتمع، وكذلك بقية الأجهزة التي لها علاقات مباشرة مع الجمهور على وجه خاص.
لقد حان الوقت الذي نتخلى فيه عن مقولة (أخطاء فردية). إن خطيئة فرد في جهاز خدمي كامل، هي خطيئة منظومة كاملة في الجهاز؛ لا فرداً واحداً من أفراده، لأنه جزء من هذه المنظومة، ويعمل تحت مظلتها.
* عندما نعمد إلى كشف أخطائنا ثم نصلحها؛ فنحن نسير بثقة كبيرة على طريق الإصلاح الذي نريد، والدكتور عبداللطيف آل الشيخ بدأ هذا الطريق بكل فهم وشجاعة، وعليه السير دون كلل أو ملل، رغم ما يتعرض له من إيذاء شخصي؛ وما يواجه به من تأبي؛ من قبل عناصر صدئت وتكلست، فهي تخشى التغيير والتطوير، وسوف يصل إلى النجاح الذي نتطلع إلى قدومه عن قريب، مثله مثل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى وزير العدل، والدكتور توفيق بن فوزان الربيعة وزير التجارة والصناعة. هذه القيادات بهذه العقليات العملية المتفتحة، هي التي سوف تقضي على الفساد في وزارتي العدل والتجارة والصناعة، وفي هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* لا أشك لحظة بأن: إصلاح الهيئات آت، وأن المهمة الصعبة ليست مستحيلة، وأن الدكتور عبداللطيف آل الشيخ؛ محفوف بعقليات نشطة، تؤمن بالتغيير والتطوير، وتسعى للإصلاح بكل ما أوتيت من قوة.