الشمس رمز النور والدفء والعطاء، رآها سيدنا إبراهيم فقال هذا ربي، هذا أكبر، ثم قال لا أحب الآفلين، بعد أن تيقن أنها تجري لمستقر لها بتقدير العزيز العليم، كانت رمزا للحياة وديمومتها في العصور البابلية والآشورية والأكدية والكلدانية،
أما الشعاع الرباعي المنبعث من مركزها، فكان يرمز للجهات التي خضعت لسلطات الميزوبوتاميا قبل اكتشاف القارات الجديدة بآلاف السنين، كان أبناء حضارة الأزتيك يقدمون قلوب البشر كقرابين للشمس كي تشرق عليهم في الغد، أما نحن فقد تفطرت قلوبنا حزنا وألما على احتراقها فوق رؤوسنا من دون أن نفكر باستثمارها، ومن دون أن نخطط لغدنا مثلما فكرت حكومة (دبي) عندما أطلقت مشروعها الاستراتيجي الجديد لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية التي لا تنضب، فنشرت مراياها في منطقة (سيح الدحل)، على نحو 30 كلم من مركز المدينة، بقدرات تشغيلية تصل إلى (1000) ميغاواط، وبكلفة 12 مليار درهم (328) مليون دولار فقط، في برنامج مستقبلي متكامل لتأمين إمدادات الطاقة، وضمان ديمومة مصادرها المستمدة من الفضاءات الصحراوية الزاخرة بأشعة الشمس، ولم يمنعها مخزونها النفطي من تأجيل فكرة البحث عن الطاقة البديلة من منابعها الرخيصة، بل على العكس تماما، لأنها ستقطف ثمار الربح الكلي المتحقق من عائداتها النفطية من دون أن تفرط بدرهم واحد، لقد أدركت الإمارات حاجتها الملحة إلى الزيادة الجوهرية في معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية، ووجدت أن لا مفر من تحقيق هذه الزيادة في المنظور المستقبلي القريب، فتوجهت نحو الأساليب الحديثة، واستعانت بالتقنيات الجبارة لتحرير الطاقة الشمسية بواسطة الخلايا الكهروضوئية، مما لا خلاف عليه، إنه بات بالإمكان تنفيذ هذه المشاريع في كل محافظة من المحافظات السعودية، فالأموال متوفرة والحمد لله، والشمس تشرق عندنا على مدار العام من الصباح إلى المساء, تتوهج في سمائنا بحرارة صيفية تزيد على خمسين درجة مئوية في الظل، والأمر متروك للمعنيين في تقدير حجم الطاقة التي ستولدها الخلايا الكهروضوئية إذا وضعت تحت قرص الشمس في أي محافظة من محافظاتنا الكثيرة، أغلب الظن إن أجواءها الساخنة، الملتهبة بالحمم، ستتفوق في توليد الكهرباء على مجموع ما تنتجه محطات التوليد في الأقطار العربية كلها، إن أوربا قررت عبور البحر الأبيض المتوسط, وعقدت العزم على نقل معداتها الثقيلة إلى قلب الصحراء المغربية، في رحلة أسطورية للبحث عن الشمس في القارة الاستوائية السمراء، فوجدت ضالتها في مشروع (ديزيرتيك)، الذي سيتولى تجهيز أوربا كلها بالطاقة الكهربائية المستخلصة من بحر الشمس، ومن ثم يجري ترحيلها بأسلاك عظيمة عبر البحار والجبال والهضاب الوعرة لتصل إلى المدن اأوربية بكلفة إجمالية تقدر بأربعمائة مليار يورو فقط.،حتى إن المملكة المغربية على المسار نفسه، فنشرت مراياها الشمسية في مناطق مأهولة بالسكان لضمان توفير إمدادات المياه اللازمة لتنظيف المرايا وتبريد المحركات، ثم تبعتها الجزائر في تنفيذ سلسلة من المشاريع الشمسية لتأمين حاجتها المستقبلية من الطاقة النظيفة، فمتى يأتي اليوم الذي نستثمر فيه الصحاري المتاحة في بوادينا الشاسعة والمترامية الأطراف؟ ومتى نباشر باستثمار الشمس التي طفح بها الكيل، ولم تعد تتحمل تقاعسنا وإهمالنا وتخلفنا عن الركب العالمي؟ في أوروبا هرعت الأقطار كلها نحو الصحراء الكبرى بحثا عن الشمس، ونحن نستلقي على رمال الصحراء الواسعة الممتدة من (الربع الخالي) جنوباً إلى (النفود) شمالاً، والشمس فوق رؤوسنا وبين أيدينا دون أن نحرك ساكناَ تجاهها!.