الناس في سورية تصهرهم عبوات الإرهاب، وتسحقهم براميل الجحيم، هناك في سورية تختبئ المدن بين جفون الخوف ونحيب الناس، رائحة الموت الهمجي تنتشر في كل مكان، الأرض ترتج صاخبة، والسحب تعفر رأسها بالتراب الأحمر، والقتل الأعمى يشهر سيفه في كل فناء وزاوية.
سورية في بلاء عظيم، تمادى المجرمون فارتكبوا هناك أفظع المجازر بحق أناس أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة، إلا لأنهم أحياء ويشتهون العيش والحياة، رؤوس مقطوعة، جماجم مثقوبة، سيقان مكسورة، أرجل مبتورة، جثث يحملها النهر والبحر نحو المستنقعات المهجورة، وأخرى مرمية في المزابل وعند منعطفات الطرق، الأجساد تتفجر بالجملة، وتقطع أوصالها، وحتى براءة الطفولة تغتال، أسراب من جراد النظام والمليشيات المتعاونة معه تنتهك سورية باسم المقاومة والإرهاب، غربان نعيقها شؤم، ومن خلفها عيون تقدح الشرر، ثعالب ماكرة تناور باقتدار، قرابينهم وضحاياهم تنزف على مذابح الظلم والجور، غيومهم تمطر شواظاً من حجر، وتخنق طهارة الفرح على قناطر دمشق وبقية المدن السورية كلها.
لقد تزايدت وتيرة الحرب هناك، واتسعت رقعة رسائل الموت بزيادة ملحوظة عن الأعوام السابقة. مشاهد الحرب هناك مرعبة، الأصوات تعالى بالصراخ والعويل والبكاء، والألسن تتهدج بالتهليل والتكبير، الناس أصبحوا يترقبون موعد البراميل القاتلة والعبوات الناسفة في أي حين، أنها تأتي دائماً لتحدث تفجيرات دامية، عندها تنتقل الأنباء السيئة عبر الهواتف المحمولة بسرعات مذهلة، العدسات الرقمية تصور المشاهد المأساوية، الأبواب تؤصد، والنوافذ تغلق، السيارات تتوقف، والمشاة يهرولون نحو الأزقة الضيقة المتعرجة، تصطبغ الجدران بدماء الناس الأبرياء، وتتناثر أشلاؤهم على الأرصفة، دوي الانفجارات يهز أركان المدينة، والعاصفة الترابية التي تحدث نيجة فعلها تصل في موعدها المتوقع أو ربما المباغت، تضرب المكان، حاملة معها أطناناً من الرمال والأتربة لمئات الأمتار ارتفاعاً وبسرعة عالية، النهار يتحول فجأة إلى ما هو أشد من ليل حلكة، الناس يصيبهم الخوف والفزع، يبعثرهم الارتباك، تنعدم الرؤية مع امتزاج سحب الغبار بالدخان الأسود، ينقطع التيار الكهربائي كالعادة، ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمة رماد الانفجارات الساحقة، وظلمة السحاب الطبقي، وظلمة العاصفة الترابية، وظلمة انقطاع الكهرباء، الأطفال يصرخون خوفاً وهلعاً، والنساء تبكي وألسنتها تلج بالاستغفار والدعاء، المويعصف بالأرواح المذعورة، والغبار يتسلل إلى البيوت بكثافة غير مشهودة، تتعطل أجهزة التنفس في الصدور الخاوية المحطمة، الناس يضعون الكمامات على وجوههم، يستعين بعضهم بالمناديل المبللة بالماء، الشيوخ يعتكفون داخل منازلهم، أصوات قعقعة الرياح تملأ المكان، وتضيف رعباً على رعب الانفجارات والظلام، حبات الرمل تصطدم بالنوافذ والأبواب بإيقاعات عنيفة، تسلل ذرات الغبار داخل البيوت فيضمحل مدى الرؤية شيئاً فشيئاً، الناس تعج بالتكبير والتهليل والاستغفار، الأسواق تشهد موجة جديدة من التخبط والارتباك، النساء والأطفال في العراء، أشجار ولوحات إعلانية تتساقط، مسارات وطرق تغلق.
تلكم مجريات ما يحدث كل يوم في سورية وعلى مدار السنوات الثلاثة الخوالي، لكن هيهات للنظام القاسي قلبه هناك أن يفهم هذا أو يعيه، لقد جاهر بقتل الناس بأبشع الطرق الدونية، وتمادى في نشر الرعب والخوف والهلع في المدن السورية كلها، وتحول إلى حاضن كبير للزمر الإجرامية والمليشيات الطائفية الدموية، وأصبح مثل البركان الرمادي الهائج، وأكثر في مذاهبها وطوائفها الانشطار، وتناقضت تصرفاته مع أبسط مبادئ الأديان السماوية، والحقوق الإنسانية.
هذا النظام المستبد يحسب نفسه بطلاً، ويرى بأنه الفاتح الرحيم، يمشي في جنائز الناس، ويفخر بالخراب، ويتفنن في الترقيع والتقليد والزعيق والتطبيل. يكره الحياة، ويروج لثقافة الموت والفناء.
يكره الناس، ويجيز القتل الفردي والجماعي، ويجند الأطفال والشباب لمشاريع التفجير والموت الرخيص. هذا النظام المستبد ما انفك يلهث وراء مشاريع التقسيم والتشرذم والتمزق والتفكك والتناحر والتهتك والموت والخراب والتيه والظمأ والجوع والضياع.