لا نريد أن نقلب صفحات عام تولّى وأغلقنا جلدته الأخيرة قبل يومين ؛ إنّ من المهم أن نتفاءل ونحلم وننتظر المفرح في القادم من الأيام ؛ بعد أن امتلأت أجسادنا من جراحات العام الماضي على المستويات الإنسانية والإسلامية والعربية ؛ فقد كان عام 2014 عام الحروب والكوارث بحق، ونتطلّع أن يكون عام 2015م عام السلام والحلول السياسية وهزائم التطرف، عام الإنجازات وإسعاد المعذبين ممن ضامتهم الحروب وشتتتهم في المنافي وديار الاغتراب في كل أنحاء الأرض.
إننا لن نستطيع تغيير العالم؛ وإن كان هذا الحلم الطوباوي الكبير ملازماً لنا في عنفوان المراهقة ؛ فلا أحد منا خلي من مشاعر فوارة طموحة في فترة عارضة مرت كلمح البصر من حياته، بأنّ لديه من العزائم والقدرات الخارقة ما يمكنه لا من تحقيق آماله الشخصية الكبار التي ينوء بثقلها الجبال؛ لا، بل بتغيير العالم كله إلى الأفضل، من خلال النضال بكل الوسائل لتسود المبادئ الإنسانية النبيلة الفاضلة، باستخدام الممكن والمتاح ؛ إما بكلمة صادقة، أو بموقف نبيل، أو بعمل مخلص، أو بتقمّص الشخصية المثالية النموذج والدعوة إلى احتذائها وعدم التنازل أو الحيدة عن المبدأ الأخلاقي أو الأيدلوجيا التي ننطلق منها لإصلاح الكون وهدايته وتخليصه من الشرور والآثام!
لقد كانت أحلامنا أكبر منا وأثقل وأعتى وأشد على التحقق من قوانا البشرية الصغيرة، التي خيِّل إلينا إبان زهو المراهقة الفكرية وفورة الشباب، أنّ قدراتنا لا يمكن أن يقف أمامها شيء، وأننا نتملك من المواهب العظيمة والفكر النيِّر وتحمل ردود الفعل والتنازل عن المكاسب الرخيصة، ما يمكننا أن نصل به إلى إشاعة ما تضطرب به وجدانات أي فتيان أبرياء أنقياء حالمين، يحملون رؤية وردية عن مفهوم الإصلاح وكيف يمكن صياغة عالم أخلاقي عادل فاضل جميل!
لقد انهارت الأحلام رويداً رويداً، وذابت قمة الجبل الجليدي حين صهرته حرارة شمس الواقع الحارقة اللاهبة ؛ فتقلّصت الأحلام الوردية من تغيير العالم الكبير المتشيطن المتجبر الظالم إلى محاولة تغيير عالم إسلامي وعربي بائس متخلف، ثم ازداد تقلص الأحلام المثالية مع توالي الانكسارات والهزائم والانغماس في فكر متطرف رافض، قاد عالمنا العربي والإسلامي إلى التآكل والانكفاء والاحتراب الداخلي ومعالجة أوضاعه وخساراته وفشله، بدخوله إلى النفق المظلم بالانتقام من الواقع البائس بالثورة عليه وهدمه وإرادة بنائه من جديد عن طريق الانتحار ؛ أي بالهرب من الواقع بالانتقام منه بالموت الذاتي وسحب الآخرين إلى هذا المصير المظلم وتدمير ما بقي مما يشير إلى حياة.
وبمغامرة الانتحار المميتة هذه ولج العالم العربي والإسلامي حتماً إلى ما يمكن أن نسميه فقدان القدرة على التفكير الواعي البصير.
لقد فقد المثاليون الحالمون أي أمل في تغيير طريقة تفكير جيل ناقم من الشباب، يريد أن يدمر نفسه ومن معه وكل من يستطيع الوصول إليه ؛ كما يحدث الآن من عمليات قتل جماعية ومفخخات تستهدف البشر أياً كانوا في أسواق أو مؤسسات أو مدارس أو مراكز أو وسائل نقل.
وبتلاشي حلم التغيير انحسرت الآمال الكبيرة من تغيير العالم إلى تغيير إلى محاولة تغيير مجتمعه فحسب ؛ مجتمعه فقط لا العالم البعيد أو القريب ؛ ولكن الأحلام الكبيرة التي يتمناها هو لوطنه ولمجتمعه يعترضها أيضاً من العوائق والحفر العميقة، ما يقد يعطل أو يبطئ من حركة النهضة التي تقودها دولتنا - أعزّها الله وحماها - وهي عوائق في مجملها تعود إلى تنافر الرؤية عند بعض شرائح مجتمعنا في ما يحسن الأخذ به من أسباب التطور أو ما لا يحسن، وأسباب تعود إلى ضرورة تعزيز مبادئ النزاهة والإخلاص والشعور بأنّ الوطن فوق الذات.
نعلم حتماً أننا لن نستطيع أن نغير العالم إلى الأفضل ؛ فلنغير أنفسنا فحسب، ليس إلا!