بنهاية هذا اليوم الأربعاء 31 من ديسمبر يولي عام 2014م بما حمله من كوارث وأحداث ومآس، ويحتفل العالم منتصف ليلة الخميس بولادة الدقائق الأولى من السنة الجديدة 2015م.
وكما جرت العادة يحتفل العالم بولادة الدقيقة الأولى مشعلا آلاف الألعاب النارية في كل أنحاء الكرة الأرضية، وراقصا على أنغام الفرح الصاخبة، ومحتسيا أقداح النشوة بامتلاك لحظة ولادة عمر جديد لعام قد لا يكون بالضرورة سعيدا ولا جميلا ولا مبهجا ولا آمنا!
هكذا تكون الآمال الطيبة والأماني المترعة بالسعادة على كل لسان، وكأنها مناشدة أو ابتهال أو رجاء أن يكون الجديد القادم لا يشبه ما مضى من العام الماضي؛ فهل تطاوع الأيَّام وتستجيب للأمنيات الخيرة؟!
الحق أن العالم يسير في اتجاه تصاعد العنف والقتل، وأن شياطين الإنس المتزينين بزي القديسين المتطهرين الذين يصدحون بادعاءات كاذبة مخادعة مخاتلة عن العدالة والضمير والإِنسانية والحق والخير والجمال؛ هم أكذب الدعاة وأوقح الساسة وأشر القادة!
ولو أطلنا التأمل قليلا وتساءلنا: من يريق الدماء ويعلن الحروب ويسن سكاكين الذبح ويشرد الآمنين ويهدم الصوامع والبيوت التي تقام فيها الصلوات؟ من يرفع راية يستظل بشعارها الجميل وهو يطأ بأقدامه النجسة جثث الضحايا الأبرياء وينتهك بوحشيته أعراض النساء السبايا ويبيع الفائض منهم جاريات؟!
إنه الشر الكامن المستوطن وجدان هؤلاء البشر؛ سواء كانوا ساسة أو مسوسين، قادة أو مقودين، فجارا أو تقاة مدعين!
فهل تلد هذه الليلة نفوسا شريرة تفسد وتدمر وتقتل باسم الله ادعاء وكذبا كما ولدت تلك النفوس الشريرة الآثمة في ليلة مشابهة من إطلالة العام الموشك على الانقضاء والانحلال؟!
إننا ندعو الله تعالى أن يكتب للعالم السلام والأمن، وأن يطهر الأرض من كل الأشرار والقتلة والمجرمين ومصاصي الدماء؛ مهما كانت دعاواهم التي يتوسلون بها، ومهما كانت شعاراتهم التي يستظلون بها.
ونحن نودع هذا العام 2014 م لا يمكن أن ننسى أحداثه المؤلمة القاسية؛ سواء على المستوى العالمي؛ كالزلازل والفيضانات وسقوط الطائرات والأمراض وغيرها، أو على المستوى الإسلامي والعربي؛ فما هدأت الاضطرابات الدامية ولا سكنت عواصف التدمير ولا تراجعت وتيرة الذبح وإراقة الدماء؛ من أفغانستان وباكستان ونيجيريا إلى اليمن وليبيا وفلسطين والعراق وسوريا المثخنة الجراح.
لا يمكن أن نطوي الصفحة الأخيرة من هذا العام دون أن نتذكر يوما مشؤوما ظهر فيه أحد الأدعياء؛ كما ظهر من قبله العشرات في تاريخنا الإسلامي واندثروا وطوتهم الأيَّام ونسوا واستمرت راية الإسلام نزيهة مرفوعة عالية لم يزدها تخريف المدعين بالخلافة أو الرافعين شعارات الجهاد لمآرب خاصة في نفوسهم لا كما أمر الله وأراد وأوجب إلا قوة ورسوخا وانتشارا.
لا يمكن أن ننسى يوم الأحد 29 من يونيه 2014م الموافق 2 من رمضان 1435هـ حين أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» ولادة «الخلافة» حسب زعمه مبايعا المدعو إبراهيم عواد البدري السامرائي المعروف بأبي بكر البغدادي خليفة على المسلمين.
لقد تحولت القاعدة من تنظيم «التوحيد والجهاد» على يد أبي مصعب الزرقاوي متدرجة إلى أن وصلت إلى السقف الأعلى في تصعيد العنف بإعلان الخلافة المزعومة؛ ليتقاطر إليها المندفعون والسذج والمخدوعون من كل مكان في العالم، ولتتحول تلك البقعة الملتهبة التي استوطنها الفكر الخوارجي المتطرف بقعة الدم وأصبحت تهدد الوجود البشري كله وتنذر بدمار الحضارة الإِنسانية إن لم يتكاتف العالم كله لوأدها في مهدها قبل أن تتمدد بآثامها إلى أنحاء الدنيا.
ولعل الله يستجيب لدعوات الصالحين فيكون 2015م بدون خلافة؛ ليمحو آثام خلافة 2014م الدامية.