هل كل أحمد شجاع؟ يبدو الأمر كذلك، فسيدنا ورسولنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلَّم - هو أشجع البشر، صدع بالحق مقارعاً ومحاجاً قومه ومجتمعه ومحيطه، وأحمد أحد أسمائه. الإمام أحمد بن حنبل كان من أشجع أئمة الإسلام على الإطلاق، جادل وعارض الخليفة والمؤسسة الدينية بقضها وقضيضها في سبيل قناعاته. المثقف العراقي أحمد الكاتب مفكر شيعي شجاع قال في اختلاط الخرافة والسياسية بالموروث الشيعي ما لم يقله مالك في الخمر.
في هذا السياق يأتي ذكر الشيخ الفاضل أحمد الغامدي، الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة. ثمة شخص آخر إلى جانب الشيخ أحمد الغامدي لا يقل عنه شجاعةً هي السيدة الفاضلة حرمه، أسأل الله لهما ولأسرتهما الكريمة ما يستحقونه من رعاية وحماية، والمؤمن القوي الشجاع خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف والمداهن الجبان.
ظهور الشيخ أحمد الغامدي وحرمه في برنامج اجتماعي ذي مشاهدة كثيفة وعلى ذلك الوضوح جنباً إلى جنب كسر حاجزاً تقليدياً شبه مقدس في موضوع اختلاف فقهي اجتهادي، كسره بطريقة التطبيق العملي للقناعات التي وصل إليها من خلال دراساته وأبحاثه الشرعية، وعدم الاكتفاء بالكلام في الفضائيات والنقاشات الحوارية.
لنؤجل مؤقتاً البحث في خطوة الشيخ الغامدي وننظر في المفارقات بين الالتزام بمواصفات الحجاب الأنثوي في داخل البلاد وخارجها، من قِبَل أناس محسوبين جوهراً ومظهراً على المدافعين عن شروط وآداب المظهر الإسلامي حسب المفاهيم السعودية المحلية. شاهدت مراراً وتكراراً أسراً سعودية تتجول في العواصم الغربية يكون الرجل فيها بكامل المواصفات الجسدية البيولوجية المستحبة عندنا للالتزام، لكنه يرتدي الشورت إلى ما فوق الركبتين والقميص قصير الأكمام (التيشيرت) ويمضغ العلكة بين المتسوقين، وخلفه زوجته وبناته يرفلن في كامل اللباس النسائي السعودي التقليدي الساتر حتى للأظافر، يجرجرن من وراء القفازات أكياس البضائع، بينما ذكرهن طليق اليدين يمشي أمامهن، وهن يركضن جاهدات خلفه للحاق به.
مثل هذا المشهد المتكرر في عواصم الغرب يتغير عندما تكون الأسرة نفسها في ماليزيا أو إندونيسيا أو تركيا، حيث نلاحظ أن السعودي صاحب المواصفات المذكورة أعلاه يلبس هو وأسرته كما لو كانوا في أحد الأسواق السعودية. لم يعد يثير استغرابي عندما أكون في بلد غربي أن ألمح في وسط الشارع أو داخل المتجر والمطعم سعوديين محسوبين اجتماعياً على التيار المحافظ في السعودية والخليج، ومعروفين بمحادة من يدعو إلى إعادة النظر والتأكد من فقه الحجاب والخمار والجلباب، وهم هناك في الخارج يسمحون لمحارمهم من زوجات وبنات بالتحجب على الطريقة التركية أو المصرية أو الماليزية.
أعتقد أن النوع الوحيد الصادق مع نفسه ومع قناعاته الشرعية هو ذلك الذي يلتزم لنفسه كرجل ولمحارمه كإناث، بنفس مواصفات اللباس الشرعي المطبق عندنا في الداخل، بصرف النظر عن تواجدهم الجغرافي. مواطننا صاحب الشورت والقميص والعلكة يتناقض مع قناعاته أيضاً عندما يحلل لنفسه في الخارج ما يستنكره حتى على صغار الشباب في الداخل أثناء تجوالهم في الأسواق التجارية الكبرى، لكنه يحتفظ بالمواصفات التقليدية لإناثه فقط، رغم المفارقة الواضحة بين مظهره ومظهر إناثه في أسواق العواصم الغربية. شيخنا الذي يسمح لمحارمه بالتحجب على الطريقة التركية عندما يكون خارج البلاد هو كذلك غير صادق مع قناعاته المحلية، لأنه يفصلها حسب الجغرافيا التي يوجد فيها.
أعود إلى خطوة الشيخ الشجاع أحمد الغامدي وزوجته عندما تشاركا في برنامج تلفزيوني شهير وهي مرتدية حجابها الشرعي المتطابق مع قناعات ولي أمرها الفقهية. الرجل ضرب مثلاً موضوعياً وحيادياً بنفسه وأهل بيته وقال للمشاهد ها أنذا، وقناعاتي في فقه الحجاب الشرعي للمرأة هي هذه كما ترون، وقد توصلت إليها من خلال رحلتي الطويلة من الدراسة والتتلمذ على كبار العلماء الشرعيين وبمجهودي البحثي الخاص في النصوص الشرعية.
أيها الشيخ الشجاع أحمد الغامدي ويا أيتها السيدة الفاضلة المخلصة لزوجها وبيتها، لا أملك تجاه شجاعتكما المبدئية الواضحة سوى التعبير عن التقدير والدعاء لكما بالثبات والصبر وأن يحميكم الله من أذى متوقع، تختلط فيه الانتهازية بالجهل بعدم الالتزام بآداب الحوار والجدل في الإسلام.