ناصر بن إبراهيم الهزاع - الرياض:
قد يخفى على الكثير منا إذا جاء الحديث عن شخصية الإمام الشهيد عبد الله بن سعود وفي هذه المقالة حيث لا يمكن أن نعطيه ونوفيه حقه كاملاً، فهو رمز من رموز تاريخ نجد والجزيرة العربية، وهو آخر أئمة آل سعود البررة للدولة السعودية الأولى الصادق مع الله ورعيته، وقد تحدث عنه كثير من الكتّاب في عصره من الرحالة والمستشرقين دون أن ينظروا إلى هذا الإمام بأنه رجل دولة عاش ليحافظ على هذا الكيان الكبير، حيث عمّ الأمن والاستقرار في ربوع الجزيرة العربية، حتى أصبحت نجد الجزيرة العربية منذ قيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - هي ملاذ الأمن والاستقرار بأمتها وعلمائها ورجالها، فبعد سقوط الدرعية على يد الغازي الهالك إبراهيم بك باشا في 9 سبتمبر 1818م باستسلام الإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - من أجل حقن دماء أهل الدرعية بعد ستة شهور من القتال الذي أنهك قوات الغازي إبراهيم باشا، ولو أنّ الدولة العثمانية بقيادة واليها في مصر محمد علي بك باشا الألباني (اتبعت سياسة رشيدة في المنطقة وتعاملت مع الأهالي تعاملاً حسناً فإنهم سيردون عليها بالتزام وأداء الواجبات)، ولكن أهدافها واضحة للعيان وهو التدمير والتخريب حتى أن بعض من المستشرقين انتقدوا سياسة الدولة العثمانية في نجد والجزيرة العربية من حيث الإهمال وعدم وضع البنية التحتية لها، ومن هنا تم الاتفاق بين الطرفين لإيقاف الغزو بشروط ثلاثة:
1 - تسليم الدرعية لجيش إبراهيم باشا.
2 - إبقاء الدرعية وسكانها دون تخريب أو قتل.
3 - يسافر الإمام عبد الله بن سعود إلى مصر ومنها إلى الأستانة «استانبول».
وبهذا الاتفاق والتوقيع بين الجانبين يكون انتهاء عصر الدولة السعودية الأولى سياسياً لا دينياً، ولما وصلت الأخبار إلى الباب العالي عمت البهجة والأفراح في الدولة العثمانية، حتى أن والي مصر محمد علي وزع الهدايا وأقام الاحتفالات لمدة سبعة أيام في مصر ابتهاجاً وفرحاً باستسلام الإمام عبد الله بن سعود وسقوط الدولة السعودية على يد ابنه الهالك إبراهيم باشا، وقبل ذهاب وترحيل الإمام عبد الله بن سعود إلى مصر قام الغازي إبراهيم باشا بهدم أسوار الدرعية وحرق نخيلها وسلب أرزاقها وقتل علمائها، ونهب جميع الوثائق والمخطوطات وأمهات الكتب، وملاحقة من ترك الدرعية ليلقى القتل والذل على يده، وكل هذا تحت مراء ومشاهدة الإمام عبد الله بن سعود وباقي الأئمة ليزداد حزناً وألماً وأسى على الدرعية وأهلها، ونجد الضابط البريطاني فورستر سادلير أنكر على إبراهيم باشا هذا الدمار والحرق والخراب الذي طال الدرعية وأهلها. وإبراهيم باشا يبرر فعلته هذه من التخريب والحرق وقتل الأئمة وعلمائها، بأن هذا طلب من والده الهالك محمد علي باشا، مما يُعَد هذا انتهاكاً ومخالفاً للبند الثاني من شروط الاتفاق، ومن ثم تم ترحيل الإمام عبد الله بن سعود ومن معه من الأئمة آل سعود إلى مصر حتى قدر عدد من رحِّل تجاوز 250 شخصاً وفيه خلاف بذلك وقيل 450 شخصاً من الأئمة والعلماء وأهالي الدرعية ثم لحق بهم تباعاً من أهالي نجد ومن رجالها ونسائها وأطفالها من المقيمين في الحجاز إلى مصر. وفي 16 نوفمبر 1818م وصل الإمام عبد الله بن سعود إلى مصر فاستقبله والي مصر محمد علي باشا استقبال الزعماء الكبار بالحفاوة في قصره بشبرا مع خاصيته، والغريب بالأمر حيث ذكر كثير من كتب عن تلك الفترة بأن محمد علي باشا كتب للباب العالي السلطان محمود بأن يعطي الأمان للإمام عبد الله بن سعود ويوصي به خيراً ومن معه وأنه سيتم ترحيله من مصر إلى الأستانة «استانبول»، وهذا ما أخبر به محمد علي للإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - في مجلسه بقصر شبرا، ولكن حقيقة الأمر والواقع لدى محمد علي، هو تسليم الإمام عبد الله ومن معه من أئمة آل سعود مقابل إهداء مصر وتسليم الحكم المطلق لمحمد علي باشا دون الرجوع للباب العالي، وتم تنفيذ طلبه من قِبل الخليفة العثماني، وبذلك تم ترحيل الإمام عبد الله بن سعود ومن معه إلى استانبول بعد يومين فقط من وصوله إلى مصر.
وفي استانبول وهي المحطة الأخيرة في حياة الإمام عبد الله بن سعود ومن معه، حيث تمت محاكمته «محكمة صورية» والتشهير به في شوارع استانبول لمدة ثلاثة أيام دون أي اعتبار أو احترام لمقامه كونه أسيراً ورجل دولة ومن معه من الأئمة.
أما حال الإمام ومن معه من الأئمة فذكرت بعض الروايات والمتابعين له بأنه ألقي في السجن والإمام عبد الله بن سعود - رحمه الله - كان أكثر صلابة بقوة إيمانه، حيث هذا قدره المحتوم وكان يقضي نهاره كله بقراءة القرآن الكريم وليله بالتعبد والتهجد طيلة إقامته في السجن حتى جاء اليوم الأخير، حيث تم إعدامه في ساحة استانبول والبقية من الأئمة ومن معهم في أماكن متفرقة، رجال خلدهم التاريخ حيث ضحوا بأنفسهم وأموالهم من أجل مبادئ وحقوق ومن أجل وطن، رحمك الله رحمة واسعة يا إمامنا عبد الله بن سعود وبقية الأئمة الأبرار.
وبالله التوفيق.
** ** **
المراجع :
1 - عجائب الآثار في التراجم والأخبار للشيخ العلاّمة عبد الرحمن الجبرتي.
2 - الدولة السعودية الأولى - ت عبد الرحيم عبد الرحيم.
3 - مذكرات ضابط عثماني في نجد - ت حسين مصطفى حسني.
4 - رحلة عبر الجزيرة العربية - ت / ج. فورستر سادلير/ مراجعة وتحقيق سعود غانم العجمي.
5 - العثمانيون وآل سعود - ت د. زكريا كورشن.