بالرغم من جهود وزارة الداخلية المتميزة، في الجانبين، الأمني والإعلامي، تبقى مخرجات الإعلام ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب قاصرة مقارنة بالإمكانيات المتاحة.. إدارة الإعلام الأمني في حاجة دائمة إلى الشمولية القادرة على التحكم بالمخرجات النهائية، وبما يضمن الجودة والكفاءة.. هناك فارق بين الرقابة الإعلامية ومراقبة جودة الرسائل وتوافقها مع الإستراتيجية الأمنية الشاملة.. الحديث عن الأمن يقودنا إلى دوائر حساسة ينبغي التعامل معها بمزيد من الحذر، والدقة المتناهية في مضمون الرسالة وإطارها العام.
تحرص الجهات الأمنية العالمية على تقديم الرسائل الإعلامية المتكاملة لوسائل الإعلام، لضمان الدقة، والانضباطية في نقل الأخبار الأمنية التي يمكن أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على الجهود الأمنية والخطط الإستراتيجية وسلامة رجال الأمن، خصوصاً في العمليات ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب، التهريب، وتجارة المخدرات.
الأمر نفسه ينطبق على الشأن الأمني المحلي الذي يحتاج دائماً إلى الرسالة الإعلامية المتوافقة مع الرؤية الوطنية، والداعمة لجهود القطاعات الأمنية المجنّدة لحماية الوطن والمواطنين.. الاحترافية في نقل الأخبار الأمنية تساعد على إيصال الحقيقة دون مؤثرات سلبية، وتسهم في دعم رجال الأمن المنخرطين في الذود عن الوطن، وحماية مكتسباته، وترسيخ أمنه وفق الصلاحيات، والمسؤوليات التي تحكمها الأنظمة والقوانين.
خلال مواجهة المتسللين الحوثيين في الجنوب، برزت رسائل إعلامية مشوهة، تمكنت الجهات المسؤولة من تصحيحها وإعادتها إلى مسارها الصحيح.. تصحيح مسار الإعلام المؤسسي وفق الرؤية الإستراتيجية الوطنية لم يمنع تدفق الرسائل الإعلامية المشوهة التي وجدت في المواقع الإلكترونية قنوات موازية لا تخضع للمعايير الإعلامية أو الرقابة الرسمية.. التحكم في مخرجات المواقع الإلكترونية بات أمراً صعباً، إلا أن السيطرة القسرية يمكن تحقيقها متى كان ذلك ضرورياً لحماية الأمن الوطني.
وفي المواجهة الأخيرة مع «إرهابيي العوامية»، ظهرت بعض الأخبار التي حُرِرت بطريقة مسيئة لرجال الأمن، قبل أن تكون مسيئة للوطن، ومؤذية للمجتمع.. قد يكون الخطأ في صياغة الخبر سبباً في بث الرسالة الإعلامية المشوهة، وهو أمر يحدث في الإعلام العالمي والمحلي، إلا أن فقدان الإستراتيجية الإعلامية الأمنية الموحدة أسهم في عدم قدرة بعض وسائل الإعلام على التعامل باحترافية مع الأخبار الأمنية الحساسة.
النقل الخاطئ للأحداث، أو استخدام لغة تحريضية تتناقض مع حقيقة العمليات الأمنية يؤدي إلى الإضرار بالأمن، والمجتمع، ويشوّه صورة رجال الأمن النقية، ويسهم في إضعاف الدعم المجتمعي الذي يشكِّل قاعدة رئيسة في مكافحة الجريمة بأنواعها.
الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، نبَّه وسائل الإعلام إلى ضرورة استخدام الكلمات المناسبة في تغطيتها العمليات الأمنية، بعيداً عن التشويه والإيذاء، وعلّق على بعض ما نشر حول العملية الأمنية المنفذة في العوامية بقوله: «ليس هناك ثأر ولا انتقام ولا أي نوع من هذه العبارات المؤذية فرجال الأمن مكلفون بحماية المواطن في كل مكان بغض النظر عمن هو أو من يكون».
تقوم الجهات الأمنية بدورها الفاعل، والمنضبط في حفظ الأمن، ومواجهة كل من يسعى للإخلال فيه بعدالة القانون وسطوة النظام الذي لا يميز بين المجرمين، بل يتعامل معهم بتجرد تام لتحقيق أمن الوطن والمواطن.
ما أحوجنا إلى الإعلامي المتخصص في جميع المجالات، وفي مقدمها الشؤون الأمنية.. المؤسسات الإعلامية مسؤولة عن تدريب المنتسبين لها على أسس تخصصية، تضمن جودة المخرجات وسلامتها من الأخطاء.. الجهات الأمنية مسؤولة أيضاً عن مد هؤلاء بالمعلومة العاجلة والدقيقة وبما يوقف عمليات الاجتهاد المحفوفة بالمخاطر.. الشراكة بين المؤسسات الإعلامية والأمنية قد تفضي إلى إعداد دورات تخصصية لبعض الإعلاميين المسؤولين عن متابعة الشؤون الأمنية والعسكرية.. بعض الأخطاء الإعلامية قد تتسبب في كوارث داخلية، وخارجية لا يعلم مداها إلا الله. التخصص الإعلامي أولى خطوات التصحيح، في الوقت الذي يمكن لإستراتيجية الأمن الوطني أن تضع قاعدة الإستراتيجية الإعلامية الوطنية الضامنة لمخرجات الإعلام ذات العلاقة بالشؤون الأمنية.