دخلت السعودية مرحلة جديدة من التحديات المالية بعد انهيار أسعار النفط وتسجيلها مستويات قياسية لم تصلها منذ خمس سنوات. السيد عبد الله البدري؛ الأمين العام لمنظمة أوبك؛ أكد أن عاملي العرض والطلب لا يبرران الانهيار الذي حدث في أسعار النفط؛ وألمح إلى دور المضاربين في تدهور الأسعار.
وزير البترول والثروة المعدنية؛ المهندس علي النعيمي نفى نية السعودية تخفيض إنتاجها لوقف انهيار الأسعار؛ وأبدى عدم قلقه من الأسعار الحالية؛ وأكد على أن «إنتاج السعودية ظل مستقرًا خلال الشهر الماضي، والسوق ستترك لتوازن نفسها دون تدخل».
حالة الثقة الاستثنائية التي يتحلى بها الوزير النعيمي قد لا تنسحب على وزير المالية السعودي الذي سيكون أمام تحديات انخفاض الدخل؛ في حال استمرار الأسعار المتدنية؛ ما قد يدفعه إلى اتخاذ تدابير استثنائية في بناء موازنة العام 2015م.
تعتمد السعودية في تمويل موازنتها على إيرادات النفط؛ ما يجعلها أكثر تأثرًا بمتغيرات الأسعار العالمية. خسارة ما يقرب من 45 في المئة من الدخل سيحدث أثرًا بالغًا في الإيرادات؛ وبالتالي النفقات الحكومية؛ وخطط التنمية؛ إلا أن التخطيط المالي الحذق قادر على تحقيق التوازن المطلوب في موازنة العام القادم. يمكن للحكومة السعودية التعايش مع أسعار نفط منخفضة لسنوات قادمة؛ فانخفاض الدخل لا يعني بالضرورة إحداث تغيير جوهري في خطط التنمية؛ مع وجود بدائل التمويل.
وجود الاحتياطيات المالية الضخمة سيسهم في خفض المخاطر؛ وتوفير بدائل جيدة لسد العجوزات المستقبلية؛ عوضًا عن الاستدانة؛ في الوقت الذي توفر فيه التوقعات المستقبلية الدقيقة لأسعار النفط مزيدًا من الطمأنينة حيال سعر برميل النفط الذي ستبنى عليه الموازنة.
بالرغم من انعكاسات أسعار النفط على الدخل؛ إلا أنها لن تتسبب في وقف عجلة التنمية؛ أو تأجيل خطط البناء والتوسع؛ لثلاثة أسباب رئيسة؛ الأول وجود الاحتياطيات المالية؛ والثاني رصد تكلفة المشروعات الإستراتيجية المقرة في الميزانيات الماضية؛ التي لم تنجز بعد؛ وهي مشروعات قد يستمر تنفيذها لأربع سنوات قادمة؛ والثالث إمكانية التعايش مع أسعار نفط منخفضة تصل إلى مستويات 50 دولارًا لسنوات محدودة. إمكانية تعويض أسعار النفط بعض خسائرها في الربع الثاني من العام القادم ربما تدعم الطمأنينة الحكومية التي بدت ظاهرة للجميع.
يفترض أن تسهم تحديات الدخل الحالية في تعليق الجرس؛ وأن تحفز الحكومة لمراجعة خططها الإستراتيجية ذات العلاقة بتنويع مصادر الدخل؛ وبناء قطاعات الإنتاج؛ إضافة إلى دعم القطاع الخاص؛ وتفعيل دوره في التنمية ومساعدته على تحمل مسؤولياته الرئيسة؛ والانعتاق التدريجي من إيرادات النفط التي قد تتحول مع مرور الوقت إلى نقمة؛ إن لم نحسن إدارتها.
استثمار جزء من الاحتياطيات المالية لتطوير الاقتصاد؛ وبناء قطاعات إنتاج جديدة؛ إضافة إلى التوسع في استثمار المقومات التجارية المتاحة؛ من الأولويات الحكومية الواجب تفعيلها. الاعتماد على النفط؛ أو الاحتياطيات المالية المودعة في الخارج أمر لا يخلو من المخاطر. فالنفط سلعة ناضبة؛ وأسعارها متغيرة؛ وقد تواجه بضرائب أو بدائل تضعف من أهميتها المستقبلية؛ في الوقت الذي يمكن أن تتعرض فيه الاحتياطيات الخارجية لمخاطر الوفاء؛ وهو أمر يمكن حدوثه في أي قت.
يمكن التعامل مع تحديات الدخل الحالية بسهولة؛ إلا أن تركها دون معالجة هيكلية شاملة قد تعرض المملكة لمخاطر يصعب علاجها؛ أو التعايش معها مستقبلاً. يفترض أن يكون الإصلاح الاقتصادي من أولويات الحكومة؛ وأول الإصلاحات: الخصخصة؛ وتفعيل دور القطاع الخاص؛ ومراجعة سياسات الدعم؛ ودعم قطاعات الإنتاج؛ وتنويعها؛ والفصل في الصلاحيات المالية والاستثمارية والنقدية؛ والرقابية؛ وبما يعزز العمل المؤسسي ويحقق الكفاءة الإدارية والتشغيلية.