عدة أيام قضيتها مع كتاب د. خولة الكريع «تستاهلين» مستمتعة بما احتوى عليه من آراء شخصية، وتجربة إنسانية، ورؤية مستقبلية، وفوق ذلك كاشفاً ومبصراً بشخصية كاتبته.
الكتاب مجموع مقالات بلغت 56 مقالاً سبق نشرها ومن ثم قامت الكاتبة بجمعها في هذا الكتاب، ليأتي متنوعاً في طرحه أكثره في الجانب العلمي الذي يمثل في الأصل تخصص الكاتبة واهتمامها.
بدأ الكتاب بمقال «عندما قال لي الملك: تستاهلين» وهي الكلمة التي جعلتها الكاتبة عنواناً للكتاب، وفيه تروي خولة قصة لقائها بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وتقليدها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.
د. خولة ومن خلال بقية المقالات تستعيد خيوط تجارب وآراء متشابكة في ذاكرتها، ويجد القارئ نفسه أمام حروف امرأة تشبه مدينة فيها الكثير من الكنوز الخفية التي تحتاج إلى تأمل واستلهام.
ففي كلماتها وفي أكثر من مقال تصر على أهمية أن تكون المرأة شامخة، وفي وضع ذي قيمة تتحدى الصعاب ولا تقبل التشكيك بقدرتها، وتصر أيضاً على ألا تظل النساء منحنيات القامة، بل طيوراً محلقة بالسلام والعمل والخير، ولعلي هنا أورد نصوصاً قصيرة حول هذه المعاني فهي تقول: «أنهيت كلية الطب بتفوق وأنا أم لأبنائي الأربعة، ثم أتت الأصوات التي تعارض ذهابي لإكمال التخصص في علم أمراض السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية وتجاهلتها، وأنهيت الزمالة في جينات السرطان، ثم أتت أصوات أخرى من الغرب تعارض عودتي لأرض الوطن ولكنني لم آبه بها أبداً».
وتقول: «ما بالكم بالمرأة السعودية التي أصبحتْ حياتها ونجاحها وفشلها هاجس الإعلام العربي، وهو أمر يقصر تفكيري عن تفسيره.. نعم، المرأة السعودية كغيرها من نساء الوطن العربي ما زالت تجاهد لإثبات ذاتها وإظهار طاقاتها، وما زالت تتطلع إلى اليوم الذي تتساوى فيه مع شقيقها الرجل في الحصول على المناصب القيادية والحقائب الوزارية، ولكن هذا لا يعني أن ندفع بعجلة الإعلام لتغطية حركات المرأة السعودية وكأنها مخلوق غريب قد هبط على الأرض لتوه. جميل جداً أن نسلط الضوء على إنجازات المرأة السعودية المهمة، ورائع جداً أن نبرز دورها المساند للرجل في بناء مجتمع ريادي ناجح، ومبهر حقاً أنها وصلت للعالمية في كثير من المجالات، ولكن المخجل فعلاً أن نصفق لها عند قيامها بصغائر الأمور التي تقوم بها أي امرأة في أي بلد عربي آخر».
وهي متابعة جيدة للنشاط العلمي، ففي أكثر من مقال تورد نتائج أبحاث في الشرق والغرب، وتبدو متعلقة بالأمل في شيوع المعرفة العلمية وتطور الطب، فهي تؤكد أن الأبحاث أظهرت أن احتمال الإصابة بسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم يزداد لدى المرأة التي تعاني الإرهاق النفسي نتيجة لحملها مشاعر سلبية.
كما توضح أن السمنة تزيد من فرصة الإصابة بسرطان البلعوم والغدة الدرقية والكلى والرحم، وتوضح أن الرجال الذين يعانون متوسط زيادة يبلغ 33 باونداً (أي نحو 15 كيلوغراماً فقط) يزيد احتمال إصابتهم بسرطان البلعوم بنسبة 52 في المئة، وسرطان الغدة الدرقية بنسبة 33 في المئة، والقولون والكلى بنسبة 24 في المئة. أما بالنسبة إلى المرأة فقد تابع الأطباء النساء اللواتي يبلغ معدل الزيادة لديهن نحو 29 باونداً (أي نحو 13 كيلوغراماً فقط)، ولاحظوا بعد متابعتهن لمدة خمس عشرة سنة أن نسبة إصابتهن بسرطان الرحم تزداد بمقدار 60 في المئة وسرطان البلعوم بنسبة 51 في المئة وسرطان الكلى بنسبة 34 في المئة».
ختاماً:
في هذا الكتاب تبدو خولة المثقفة التي استفادت من علمها وتجربتها، وقدرتها على الكتابة الأدبية فجاءت حروفها معبرة عن ذاتها، عالمة مؤمنة بعلمها وشخصيتها ومعتزة بجذورها العربية الضاربة في أعماق الصحراء، وهويتها التي بها جميعاً قدمت نفسها للعالم.