أثناء ذهابي للعمل صباحاً أحاول التخفيف من وطأة زحمة الرياض ومضايقات السيارات التي لا يحترم أصحابها الآخرين. أجد نفسي مجبرة على أن أحنث بوعد وعدته على نفسي بأن لا أستمع إلى أي إذاعة مع الصباح؛ حتى لا أفقد هدوء نفسي، وأحرم روحي جمال الصباح وروحانيته وتفاؤلي به. كلما أخذت جولة بين المحطات الإذاعية يسوء مزاجي؛ وأعاهد نفسي ألا أكرر غلطتي مرة أخرى، لكن زحمة الرياض تجبرك على أن تهرب منها بأي شيء ممكن. محطات (إف إم) التي
منحتها وزارة الثقافة والإعلام حق تكسير رؤوسنا، وتسطيح ثقافتنا، تتحدث بكثير من الأمور المصيرية الاجتماعية بكثير من المجانية والجهل. كل يوم تمارس هذه القنوات تدمير مجتمعنا بالجهلاء من مذيعيها الذين يعتقدون أنهم يملكون كل الحلول والوصاية على جميع من يسمعهم. يتسابق المذيعون من الرجال إلى تجميل أصوات قهقهاتهم، وتتسابق المذيعات إلى بيان أكبر كمية من الدلع الممسوخ، وكأن هذه الإذاعة تركت أبوابها مفتوحة، ويحق لكل من يأتي من الشارع أن يمسك (بميكروفونها)، ويدلي بدلوه، ويخلط الحابل بالنابل. أُصبت بقمة الإحباط حتى كدت أعود إلى بيتي غير راغبة في شيء وأنا أسمع شاباً سعودياً يتحدث إلى مذيع إحدى القنوات (إياها) وهو يبكي من رفض أم البنت التي يحبها تزويجها إياه بحجة أن مرتبه قليل، ثم كافح ووجد وظيفة بأكثر من مرتب وظيفته الأولى، لكنه لم يعد راغباً في الزواج من الفتاة التي يحبها نظراً لموقف أمها. يبكي بحرقة تجعل القلب يشفق عليه مما يعانيه. فما كان من المذيع إلا أن حقر مشاعره، وصب جام عتبه عليه محذراً إياه أن لا فتاة تستحق الحب. مشكلة عاطفية، لا يكاد يحلها أقوى الأخصائيين النفسانيين في أقوى مستشفيات العالم، انبرى لحلها مذيع جاهل في العشرينيات من عمره؛ ليزيد تدمير حياة الشاب أكثر مما هي مدمرة. مذيعون صبية، بلا أدنى مسؤولية، يمارسون دور من يملك حل كل المشاكل، وفهم جميع النفوس، وإدراك مختلف الماورائيات، في مثال مخجل (للفهلوة) المدمرة.
نرجو من وزارة الثقافة والإعلام أن تراجع محتوى بعض إذاعات (إف إم) التي منحتها تصاريح للبث، قبل أن تجد نفسها أمام ملف أخلاقي شائك ومعقَّد. كرة ثلج تفاهة هذه القنوات تتدحرج؛ وأتمنى إيقافها قبل خراب مالطة!