ليس هناك قسم يؤديه الوزير إلا قسم الوظيفة أمام الملك، بأن يقسم بالله العظيم أن يكون مخلصاً لدينه، ثم لمليكه، وبلاده، وألا يبوح بسر من أسرار الدولة، ويحافظ على مصالحها وأنظمتها، ويؤدي أعماله بالصدق والأمانة والإخلاص... أما قسم وزير الخدمة المدنية الذي أطلقه - حسب جريدة عكاظ- أمام خريجي الدبلومات الصحية، بقوله : أقسم بالله العظيم أن وزارة الصحة لم ترسل أي شيء بخصوص الـ1034 وظيفة! فهو قسم مختلف، ويحمل في مضمونه الكثير من الدلالات والمعاني!
وقبل مناقشة الدلالات في قسم الوزير، لابد من الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الخريجين قاموا أولاً باعتصام أمام مبنى وزارة الصحة، لمناقشة مستقبلهم، وحقهم في الوظيفة كمواطنين، وأكدت لهم الصحة بأنه ستتم دراسة أين وصل موضوعهم، والرد عليهم خلال أسبوعين، فقرروا الذهاب إلى وزارة الخدمة المدنية، وطلب مقابلة الوزير، الذي أكد لهم في قسمه أعلاه، بأن موضوعهم لدى وزارة الصحة، وهي التي لم ترسل شيئاً بخصوصهم!
وبالعودة إلى دلالات هذا القسم، يظهر للمتابع أن الوزير في مختلف القطاعات الخدمية، بدأ يدرك أهمية المواطن وقيمته، ويتعامل معه بشفافية، وأنه لم يعد مواطن القرن الماضي، الذي لا يعرف ما يحيط به، ولا يستطيع أن يوصل رسالته للآخرين، فهو يمتلك الآن عدة وسائل إعلامية قوية، قنوات، وصحف، في جيبه، ممثلة في (جواله)، فيخاطب الوزير مباشرة في حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي، ويسائله بجرأة وشجاعة، وعند ارتكاب أي هفوة كلامية ستحسب عليه، وستطير بها (ركبان تويتر) كما حدثت مع غيره!
وبعيداً عن هذا القسم، والذي احترمه هؤلاء الشباب بالطبع، وأدركوا أن موضوعهم لم يزل لدى وزارة الصحة، سؤالي، وربما سؤال غيري من المواطنين، لماذا وسائل الاتصال بين الوزارات شبه مفقودة؟ ما الذي يجعل الوزارات والجهات الحكومية تعمل منفردة في موضوعات يجب العمل فيها معاً، وبشكل مشترك؟ لماذا يحتاج المواطن، في رحلة البحث عن حقه، إلى (النطنطه) من وزارة إلى أخرى؟ لماذا يجب أن يتحوّل إلى معقب محترف، ويضطر إلى فهم جميع الإجراءات الحكومية؟ هل يمكن أن تتعامل الأجهزة الحكومية معاً، بشكل مباشر، وبإجراءات بسيطة، وبلا بيروقراطية، كي تنجز معاملة المواطن، دون أن تكبده عناء الوقوف على بواباتها، ودون أن يضطر وزراؤها للقسم واليمين؟
هذا التكامل بين الأجهزة مهم في كافة المجالات، فكيف إذا كان مع الجهة المركزية للتوظيف، كالخدمة المدنية؟ أظن أن على الخدمة المدنية أن تبادر، وتبحث مع الصحة عن وضع هؤلاء المنتظرين، الذين لم يتركوا وسيلة، ولا باباً، ولا جهة، إلا وخاطبوها، حتى كاد بهم الأمر أن يخاطبوا (بان كي مون) نفسه.