كثيراً ما طُرحت موضوعات الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية، والمنافسة بينهما، وكثيراً ما نُوقشت أيهما سيختطف القارىء، واختلف حولها أهل المهنة، هناك من يرى أن زوال الصحف الورقية هي مسألة وقت فحسب، وأنها زائلة لا محالة، وهناك من يعتقد أنها ستبقى، بل وستُستخدم المؤسسات الصحفية التحديث الإخباري الإلكتروني في مواقعها بشكل متميز، وهذا ما حدث، فلم يعد الخبر هو ما تنشره الصحيفة في نسختها الورقية، بل هي تتجدد، على مدار الساعة، بخبر جديد في مواقعها الإلكترونية، ولا تتوقف عند ذلك، بل أصبحت تبعث الخبر إلى متابعيها في صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وغيره، حتى أصبح متابعوها يضاهون قراءها في العدد، والتفاعل أيضاً.
لقد فعلت «الجزيرة» وغيرها من الصحف كل ذلك، وأصبحت، هي وغيرها، تزيد من عدد قرائها عبر «تويتر»، فتذهب هي بأخبارها وموضوعاتها وكتّابها إلى القارىء، دون أن تنتظره يذهب إلى المحال والمكتبات لشراء الصحف كما كان يفعل في القرن الماضي، لكن ماذا سيستجد في المستقبل، وكيف سيستثمره الإعلام والصحافة؟!
ورغم كل الخطوات التي قامت بها الصحف للاستفادة من المواقع الإلكترونية، إلا أنه ليس ثمة تبرير لبقاء الصحف الورقية، ما عدا علاقة عاطفية قديمة تربط صحيفة الورق بقارىء ينتمي إلى جيل رومانسي، قد ينقرض في يوم ما، وأيضاً من تبريرات بقاء الصحف الورقية وجود الإعلانات فيها، رغم أن الإعلانات دخلت أيضاً في المواقع الإلكترونية في الصحف، ولو كانت بصيغة أقل،... فماذا سيميز الورق عن غيره؟
هذا الأسبوع، قدمت الجزيرة في حفلها السنوي خطوة إعلانية جديدة ولافتة، من أجل جذب المعلن من جهة، وجذب القارىء من جهة أخرى، وهو تطوير لم تقم بها الصحف اليومية الورقية من قبل، عبارة عن خمسة نماذج جديدة في الإعلان الصحفي، لكن أبرزها هو الإعلان برائحة المنتج، فإعلان القهوة مثلا يمكِّن القارىء من شمّ رائحة القهوة، وذلك بحكّ الإصبع بصورة القهوة في الفنجان على الصفحة، ليجد رائحة القهوة وقد علقت بيده، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع العطور والعصائر والمأكولات وغيرها، لذلك لم يعد منتجو العطور وصف عطر الرجل أو المرأة بالكلمات، بل الرائحة ستختصر كل الكلمات، وهذا النوع من الإعلانات لا يمكن الحصول عليه عبر إعلان إلكتروني، كذلك باقي التطوير من الإعلانات المقطوعة والملصقة (الإستيكرز) والبانوراما، فمن الصعب نشر إعلان إلكتروني بحجم أربع صفحات كاملة متصلة لمشهد بانورامي إعلاني، بكل ما يحمله من جمال وجذب غير مسبوق!
ومن الطريف في موضوع (الإعلان بريحة) أن بعض كبار الصحفيين، ممن أنهكتهم حرفة الصحافة، كانوا قد أدمنوا رائحة الطباعة، فلا تكتمل صباحاتهم دون تلك الرائحة، إلى درجة أنهم ما زالوا يقاومون القراءة الإلكترونية، لشغفهم برائحة الصحف وأحبارها، فماذا سيقولون الآن عن جريدة تحمل رائحة الحياة، رائحة العطر والقهوة والكيك والآيسكريم وغيرها، رائحة المأكولات الشهية، والخلطات السريَّة للمطاعم، حتماً سيعود هؤلاء رغماً عنهم إلى الحياة، لأن الحياة بروائحها الجميلة ستطغى على رائحة الأحبار، بعدما تصبح الصحيفة أكثر نضارة وحيوية!