انتظر السعوديون طويلاً، وأطلقوا على مدى سنوات عدداً من الشائعات والتنبؤات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بتشكيلات وزارية من ابتكارهم، حتى صدر أمر ملكي بتعيين ثمانية وزراء في حقائب وزارية مختلفة، دون أن تتسرب أي معلومات أو احتمالات، وقد يكون تعيينهم في هذا الزمن، زمن الشفافية والوضوح، فرصة لهم ليثبتوا قدرتهم على تطوير الأداء الحكومي في وزاراتهم، وينقلونه من الأداء الحكومي التقليدي إلى الحكومي الإلكتروني.
على هؤلاء، إضافة إلى نقل وزارتهم من تقليديتها ونمطيتها وبيروقراطيتها، إلى مرحلة متجددة وابتكارية وإلكترونية، أن يوجدوا ما افتقدته الجهات الحكومية طوال سنوات، وهو العمل التعاوني والتكاملي بين الجهات، وشجاعة تحمل الأخطاء، وعدم رميها على الآخرين، بل والتكفل بمعالجتها، والسير بقفزات سريعة نحو المزيد من التنمية.
ليس على هؤلاء تسيير هذه الوزارات بما كانت تفعله من قبل، بل لابد من المبادرة، ووضع القوانين والأنظمة، وتطبيقها، والوقوف على ما يحدث في الميدان، لا من المكاتب الفارهة، واعتبار المواطن هو الرجل الأول الذي يستحق كل اعتبار، ولعل كلمات خادم الحرمين الشريفين، في أكثر من مناسبة، هي أبرز التعليمات: أطلب من الوزراء أن يؤدوا واجبهم بإخلاص وأمانة، ويضعوا الله عز وجل بين أعينهم!
هذا التغيير الجذري في ثماني وزارات مهمة، سيكون فارقاً ومؤثراً إذا عمل هؤلاء الوزراء بأمانة وحرص، واستبعدوا كل المعوقات في وزاراتهم، بالذات القدرات البشرية المحدودة، التي تقادمت كثيراً، وأصبح العمل لديها محدوداً، وغير مبتكر، بل ومعظم هؤلاء فقط متعة العمل، والرغبة فيه، لذا يصبح التعلق فيه أمراً غير مبرر!
كتبت في مقالات سابقة، أن أذرعة الوزراء التي يحركون بها العمل هم الوكلاء ومدراء الفروع ومدراء العموم في الوزارات، فمتى صلح هؤلاء، وآمنوا بالعمل، وبأخلاقياته، كانوا قدوة لغيرهم ممن في الإدارة الوسطى والدنيا، في النزاهة، والانضباط في العمل، واليقين بأنهم جاؤا في هذه المناصب لخدمة المواطن أولاً وأخيراً، لا لخدمة أنفسهم وأقربائهم وأصدقائهم.
لكل وزارة من هذه الوزارات الثماني مشاكلها وعثراتها، ولن يتسع مقالي هذا لاستعراضها، لكن أقربها لي وزارة الثقافة والإعلام، والتي عانت الثقافة فيها طويلاً، ولو بقيت كما كانت في بدايات مرحلة الوزير إياد مدني، بمسمى وزارة الإعلام فقط، لكانت أكثر دقة في دورها، لأنه تم تجاهل الثقافة تماماً، ولا يوجد في أنشطة الوزارة سوى معرض الرياض للكتاب الدولي، أما ما عدا ذلك فلا يكاد يظهر شيء للثقافة، حيث يذهب معظم ميزانية الوزارة على الجانب الإعلامي، ولا تنال الثقافة سوى شرف المسمى، ولا سبيل إلى إعادة قيمة الثقافة ودورها في المجتمع إلا بفصلها عن الإعلام في وزارة مستقلة، أو هيئة عامة، كما حدث قبل سنوات للإذاعة والتلفزيون.
أمام وزير الثقافة والإعلام فرصة مهمة لإعادة الثقافة وإشاعتها في المجتمع كقيمة سامية ونبيلة، والموازنة بين دوري الوزارة: الثقافي والإعلامي، وذلك لن يحدث إلا بوضع برنامج يمكن تنفيذه على المدى القصير، وكذلك على المديين المتوسط والطويل، والعودة إلى الاستراتيجية التي سبقت صياغتها، قبل أن تضيع في دهاليز الوزارة وملفاتها!