- يشكو بعضُنا -كما صاحبِكم - من ذاكرةٍ خاملةٍ تخذلُه حين يلجأُ إليها مستعيدًا معلومةً أو مستذكرًا وجهًا أو مفتشًا في تفاصيل، ونتمنى أنْ لو كانت لنا ذواكرُ حاسوبٍ لا يفِرُّ منها اسمٌ ولا رقمٌ ولا حكايةٌ، ولدى بعض أساتيذِنا وأصدقائنا من نُسمي اللهَ عليهم؛ فأذهانُهم توثق المدخلات وتُيسرُ المخرجاتِ ويكادون يُحيلوننا إلى الصفحة والتأريخ والملامحِ والجهات.
- للذاكرةِ النشطةِ جمالُها؛ فهي تَرى وتستطيعُ أن تُري، وقد يتصدرُ الأقلُّ شأوًا بما يتيحُه له سرعةُ الاستدعاء ويتوارى غيرُه بذاكرة الانطفاء، واستعاض المحرومون بمحركات البحثِ التقنيِّ حين أسعفتهم الأزارير وجعلت الأراشيفَ في مسافات أصابعهم فلا تُعوزهم صورةٌ ولا معلومة ولا بوصلة.
- في مؤتمر» ألزهايمر الدولي الثاني» - الذي نظّمته الجمعية السعودية الخيرية لمرض ألزهايمر - كانت لصاحبكم كلمةُ «المفتتح» - وهي نهجٌ اختطَّه لنفسه في المناسبات» الإعلامية» التي يشاركُ فيها- فقارن بين الذاكرتين وبدتا في نعيمٍ أمام ذاكرةٍ غابت فغامت وتوارت وتوحدت بعزلتها ، وجاء فيما قاله:
- («... «ذاكرتان : فتيةٌ ونسيَّة تُلوحُ أولاهما وتتوارى الأخرى، وبينهما ترتحلُ الحياةُ حضورًا وغيابًا، وطمأنينة وقلقًا، وتطلعًا وتراجعا.
- ليست الذاكرةُ انتقاءً وليتها فلربما أعطت الفتيةُ للنسيةِ فتضاءلت أعباءُ اليقظة وانحسرت عتمةُ الاختفاء.
- من يذكرون كلَّ شيء يودُّون أن ينسوا بعضَ الشيء فالذاكرةُ تحمل الأملَ كما الألم، وتستعيد الفرحَ مثل الترح، وتتمنى السحاب فوق اليباب، وفي الزمن المعلوماتي المطير لم يعد بإمكاننا اعتزالُ واقعٍ يعزفه المحبون والمحتربون والسعداء والتعساء ومن تسقيه وردة ومن يُشجيه لظى.
- ليت الذاكرة عطيةٌ أو هدية لتأخذَ النسيةُ من الفتية وتتزنَ نفوسٌ أشقاها التذكار وتضيءَ أذهانٌ طواها الاندثار، وللهِ - جلَّ اللهُ- حُكمُه وحكمتُه.
- يأسى من يعي فتختلطُ الرؤى وتتبعثرُ الملامح ،ويغيبُ الصوتُ في الصمت فتتماهى الأسئلةُ وتختلط الأجوبة ونبحثُ عن جسرٍ نعبرُه ليرونا كما نراهم ونأتلفُ في مؤتمرٍ لنستعيرَ ذواكرَنا لذكراهم ونظلُّ مؤمنين أن سيولَ المعرفة ستحملُ- بإذن الله- لقاحًا يقي ودواءً يشفي ومعها وقبلها وبعدها محبة تقي وتشفي وتكفي.
- الحياةُ إلى وهنٍ والأحياءُ إلى رحيل وفي بعض هذا عزاء:
دقت الساعة رقمًا لم يجدهْ
مرت الأيامُ تيهًا لم يُردهْ
غادر الحلمُ سماءَهْ
وغدا الصمتُ فضاءَهْ
وروى - لا يعرف التأريخَ- قال:
كنتُ بالأمسِ هناكْ .. وأنا اليومَ هنا
شامخًا أحدو السِّماكْ .. لا عيِّيًّا واهنا
شاخ عقلي من رآكْ.. لم تعد أنت أنا»...»)
- بقي في الفاتحةِ خطوطٌ وظلت الذاكرةُ ببعض خيوط؛ فخيطُ الوصلِ هو نفسُه خيط الفصل، وفيهما لغةُ الوجدِ والفقدِ والتأسي؛ فذاكرةُ الوعي هي ذاتُها ذاكرةُ العِيّ لكنهما غيرُ ذاكرة الإعياء المغيبةِ في منافي المرض.
- نذكرُ فنودُّ أن ننسى، وننسى فنتمنى أن نتذكر، وتمرُّ الأيام فتذوبُ الذكريات وتُتجاهل المذكرات؛ فكذا نعيشُ وكذا نعشى.
- الذهنُ لوحةٌ صامتة.