** عمَدت صحيفةٌ عربيةٌ قديمةٌ إلى ملء فراغاتها باختلاق حكاياتٍ مثيرةٍ وإظهارها بصورةٍ تبدو معها واقعيةً بما تحمله استفهاماتُ صيغ الخبر الست (مَن - ماذا - متى - أين - لماذا- كيف) وجعلت ناتجها قتلى وجرحى حتى إذا اكتملت المساحة «الفارغة» ذيَّلت الخبرَ بأنه قد وردها والصحيفة ماثلة للطبع أنه عارٍ عن الصحة وأرفقت اعتذارًا تاليًا أوضحت فيه هدفها وهو سدُّ النقص التحريري لا أكثر.
** روى الحكاية الأستاذ عبدالله السعد القبلان الحارثي رحمه الله 1328-1414هـ تحت عنوان: «الصحائف البيضُ لا تُسود»، ويُفهم من توقيت نشرها «1386هـ» وإحالته «قبل ثلاثين عامًا» أنها ترجع إلى ثمانين حولاً وهو ما وفر لهم العذر؛ فالصحافةُ مبتدئة والمصادرُ شحيحة والقارئُ مسالمٌ لا يُخشى مثلما لا يُرجى.
** تكررت الحكاية بأخريات؛ فبات النفيُ هو القاعدة والإثباتُ هو الاستثناء وتجاوزت الظاهرةُ الوسائط التقليدية التي يتيسر كشفُ تمريرها وتدويرها إلى وسائط التراسل الاجتماعية فلا يستقر أمرٌ حتى يثور ولا يؤكَّد خبرٌ حتى يُنفى ولا يَرِد تحليلٌ إلا ليُناقَض ولا تُذكر فتوى حتى تُرد، والثابت أن المبادِر يستقطب والسلبيَّ يُتابَع والحادَّ ينتشر؛ فإذا توافر الخبر الجديد المثير الناقد فإن تداولَه سيمتد سواءٌ أثبت صدقُه أم اختلاقه، وحين يجيءُ النفيُ فإن الحريصين على تصحيحه يتضاءلون والمؤمنين بالتصحيح يُشكِّكون والمعْرضين عن متابعته يكثرون والمواصلين تدويرَه لا يدرون.
** كذا يَعشى مجتمع الشاشات الملونة فيفتقد قاعدةَ المعلومة المدققةِ الموثقة وبذا تصبح الفريةُ حقيقةً والشبهةُ دليلاً وقد يُتوج الكاذبُ نزيهًا، وهذا جانبٌ أولُ لا يحتاج إلى مزيد استقصاء ليبدوَ الوجه الآخرُ وهو لا يقل سوءًا في انفتاح الساحات على سيءِ القول والفعل بدءًا من التلاسن حتى التكاذب حتى التشاتم حتى الإهانات والتهديد والتحرش، وقد طالت - وَفق دراسة مركز PEW - %40 من مستخدمي الإنترنت وتَأذَّى منها الشبابُ بين عمر «18- 29» بما يعادل «ثلاثة وسبعين» في المائة من الحالات.
** المشاهدةُ تَشِي والأرقام تفي والمحصلة تأثيرات إن لم تبدُ جليةً اليوم للقراءة والمعالجة فستكون عصيةً غدًا، وحين يجيء الرقم أجنبيًّا في هذه الدراسة فإن الرقم العربيَّ لن يقلَّ إن لم يزدْ وهو ما يُعرِّض أمن الذات للخطر ويشعل فتيلاً يصعبُ إطفاؤه وقد تتشظى به مكوناتُ المجتمع.
** سيبدو الكذبُ الذي مارسته الجريدةُ المصرية - كما نقل عنها صاحب «رموز على اللوحة» - ساذجًا لا تأثير واسعًا له في مواجهة الاختراقات الفاحشة التي تتم على مدار الساعة بل الدقيقة بحيث استُبدلت عبارة «كلام إنترنت بكلام جرائد» وصار الأصلُ هو المَيْن والاستثناءُ هو العدل، وعهدنا بالمؤمن لا يكذب فهل نحن مؤمنون؟!
** المعلومة ضِياءٌ أو ضياع.