تبدو جاهزيةُ الأحكام لدى بعضنا منطلقةً من «أنويتِهم» التي قد ترى كسرًا لتفوقها أو تقزيمًا من صدقيتها فلا يقبلون تغييرَ مواقفِهم مثلما لا يودُّون أن تتبدلَ الصورةُ النمطيةَ التي رسموها لذواتهم أو افترضها المجتمعُ لهم، وهو ما يعني ثباتًا يٌضادُّه التطور أو جمودًا ترفضُه الحياة.
- تبدو الأنويةُ بناءً فطريًّا في ثقافتنا؛ فضمير الأنا مقدمٌ على الـ«هو» والـ«هم» ما يعني أن الفردانية أبرزُ من الآخَرية والجمعية كلتيهما، وهو ما لا تستوعبه الثقافةُ الأجنبيةُ في الصور التي تبلغنا عبر اللغة الإنجليزية «تحديدًا»؛ فتبدأ الجملة عندهم بـ:»أنت وأنا» و»هو و أنا» و»هم وأنا» في حين أننا نبتدئُ بأنفسنا: «أنا وأنت» و«أنا وهو» و«أنا وهم» وبارك الله «لنا ولك» و«له» و«لهم» وتقبل «منا ومنك» وبقية ضمائر الخطاب والغَيْبة.
- تصبحُ الحالةُ مستعصيةً حين يُذكِّرنا بعضُهم بأنه هو مَن قال ومن كتب ومن أشار ومن حذَر ومن جرُؤَ ومن قاد ومن تنبَّأَ بحدوث ظاهرةٍ أو وقوع مشكلةٍ أو تزعم مبادرةٍ، ولفرط اهتمامِهم بأناهم يوثقون ويُحيلون وقد يدَّعُون ويختلقون في تقديسٍ بائسٍ للذات.
- يتغير الكونُ وهم ساكنون ويتحرك الناس وهم واقفون وتُخلفُ الأيامُ وعدَها وهم ينتظرون، وربما اختلطت الأمور في أنظارهم فحسبوها مبدئيةً في زمنٍ أضاع المصطلحَ فبات محورُ التحولِ مرتهنًا بتفصيلاتٍ جاهزةٍ تُغلفُ ما تراه متفقًا مع توجهها بسوارٍ من اقتناعاتِ قصبِ السبق لهم؛ فهم من رفع الشعار وهم من صيَّروه شعيرة.
- معضلةُ الأنا عُسرُ اعترافها بأخطائِها وتضخيمُ أخطاء سواها فلا يبدو الكيلُ موزونًا ولا الأحكامُ موثوقةً فيعمُّ القذى العيونَ المبصرةَ وتشكو الأذى القلوبُ البصيرةُ ويعتزل العارفون ممن حقُّنا رؤيتهم ويسودُ الهارفون ممن لا حقَّ لهم أو لنا بهم.
- عُزِيت إلى «جبران» مقولةٌ ترى أن معرفةَ إنسانٍ لا تتمُّ برصد ما يقول بل بمتابعة ما لا يقول؛ وهو ما يتوجه إلى العلاقة بين المُظهر والمُضمر، وفي واقعِ بعض الناسِ تنظيرٌ جميل وممارساتٌ تُناقضُها حين توجهه الأنا نحو اعتمارِ عباءةٍ أمام الناس وأخرى دونهم.
- وبعيدًا عن التقسيمات «الفرويدية» لضمائر ال: «هُو» وال: «أنا» وال: «أنا العليا» فإن الخطابَ المؤذي في العالمين الواقعيِّ والافتراضيِّ يتحركُ من محطة مزاحمةِ الذاتِ المتورمةِ لسواها من الذوات حين تسكن من يظن نفسه الوطنيَّ الأصلحَ والكاتب الأكبرَ والمسؤول الأخلصَ والجارَ الأنفعَ والسائقَ الأفهمَ والمحررَ الأميزَ والمعلمَ الأذكى والسيدَ الأقوى والورعَ الأنقى.
- حين تنتفي الأنا نعيد اكتشافَ أنفسنا وتقويم مواقفِنا والإضافةَ إلى ما علِمنا والتراجعَ عما جهلنا والاعتذارَ ممن ظلمْنا واليقينَ بمرحليةِ التفكير والاستجابةَ لمؤشرات التغيير والنأي بالذات عن تردي اللغة والأساليب واجتنابَ هذر الهوى وهدر الغِوى ولو كان ناتجُ ذلك خسارةَ متابعين أو جماهيرَ أو عوائدَ ماديةٍ ووجاهةٍ معنوية.
- التعالي تعامي.