** دار الحوارُ حول كتبةٍ نصبوا أنفسهم قضاةً يُحاكمون هذا ويَحكمون على ذاك ويصفون واحدًا بالتخلف ويصمون آخرَ بالفساد ويتنقلون في مواقعهم «الورقية والشاشيَّة» بين الشخوص والمؤسسات ليُقزِّموا ويُقلِّموا وَفق معطياتٍ موضوعيةٍ حينًا وخاصةٍ حينًا أشرعوها لأنفسهم وشرعنوها لغيرهم.
** لغةُ الأخلاق تفترضُ تنزهَ الناقدِ عما ينتقده وتساميَه فوق ظرفي «الهوى والمصلحة» واحتكامَه إلى حقائقَ ووثائقَ وتوظيفَ لغةٍ هادئةٍ مهادنةٍ والدعوةَ إلى التغييربحكمةٍ ومنطقٍ واحتسابَ دوره أمرًا بمعروفٍ ونهيًا عن منكرٍ؛فلا يبدو متشفيًّا ولا متعاليًا ولا ذا غرض.
**ولغةُ العلم تطلبُ معرفةً بالوضع المُنتقّد وتخصصًا بشؤونه؛ فللرياضةِ كما للثقافةِ والاقتصادِ والسياسةِ والدينِ والمجتمعِ قارئوها الذين يعُون أبعادَها وتداخلاتِها بمحكمِها ومتشابهِها ومجملِها ومفصَّلِها، ونحن في زمن التخصصِ، ولا كاتبَ قادرٌ على أن يكونَ شموليَّ المعرفة وموسوعيَّ التناول.
**ولغةُ الإعلام ترتقي لتنأى عن مفرداتٍ خادشةٍ وجملٍ مُخاشنةٍ ومقالاتٍ محرضةٍ ذاتِ اتجاهاتٍ طائفيةٍ أو إقليميةٍ أو عنصرية ، وكذا لغةُ الوطن لا ترتضي بمن يمزق ويُفرق ومن يُشيع دون تثبت ومن يبني شهرته متاجرًا بأمن البلاد وراحة العباد .
** لا خلاف في المقدّمات بل في الممارسات؛ فما نشهدُه - من بعض الكتبة الكبارِ والصغار - تأجيجٌ وتهييجٌ لمستوىً يهونُ فيه لديهم التسرعُ في النقل والفوريةُ في المحاكمة والجَور في الحكم ،وهنا يطرأُ مفهوم الفساد الكتابيِّ الذي لا يستجيبُ للغاتِ الأخلاق والعلم والإعلام والوطن؛فيطغى التسطيحُ والإسفافُ والأقلمةُ والأدلجةُ والانتماءُ لمشروعاتٍ أو تنظيماتٍ لا تعبأُ برضا الله ولا يعنيها غدُ الإنسان.
** لسنا في مرحلة استرخاءٍ كي يعبث فئامٌ بالكلمات ويعيثوا فيها؛ فالنذرُ المحيطةُ تفترضُ المحاسبة على المفردة قبل السطر والبيت قبل النص والمقال قبل الكتاب والخبر كما البرنامج والتأكيدَ على هدوء اللغة وموضوعية المعالجة سواءٌ أمسَّ الأمرُ شأنًا سياسيًّا أم دينيًّا أم اقتصاديًّا أم رياضيًّا أم سواها؛ فالاتجاهاتُ المتعاكسةُ توقدُ أوار البغضاء وتشحن صافي الأنفس.
** من يشأْ إثباتًا فليستمع لحواراتنا في استراحاتنا المفترضِ اعتمارُها بالجميل من القول والجمال من الصور، وواقعُها تبرمٌ من كلِّ شيءٍ وتأففٌ لأيِّ شيءٍ واستعدادٌ للتلاسن واللجاج، أما في الشارع والمدرسة والمكتب فالوضعُ أسوأُ بمراحل.
** «معظم النارِ من مستصغر الشررِ»- كما قيل - وربما تجاوزنا أحداثَ مباراةٍ أو خلافَ اكتتابٍ أو جدليةَ فتوى فحصرناها في دائرتها الضيقة، غير أن الوقائع تشي أن تشنجَ الخطاب عرضٌ لمرضٍ قد يعني ورمًا ينمو وربما لا يقبل الاستشفاء.
**أما مستكبرُ الشَّرر فلو لم تحصلْ نكبتا 48 و 67 ولم يظهر جهيمان والخميني ولم يزر الساداتُ القدس ولم يغزُ صدام الكويت ولم يُفجَّر برجا نيويورك ولم يُسلحْ حزبُ الله وأنصارُ الله ولم ينسَ معمر وبشار وزمرتُهما أنفسَهم على الكراسي لكنا في حالٍ مختلفةٍ فعسى أن يسعفنا الزمنُ بميلادٍ جديد.
**الفسادُ إنسان.