تبنت الأمم المتحدة في سبتمبر (2000م) برنامجاً إنمائياً بإجماع (189) دولة، وقد وقع عليه رؤساء (147) دولة؛ بهدف مكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتمييز ضد المرأة، والبيئة وحماية الفئات المستضعفة وحقوق الإنسان والحكم الصالح، ينفذ خلال (15) عاماً تنتهي مرحلته الأولى بحلول عام (2015م)، في نسق المحافظة على الأمن والسلم الدوليين وتعزيز برامج التنمية الوطنية الشاملة، والتي بدورها تنعكس على الاستقرار، وتبعث على الطمأنينة والنماء، من خلال التنمية الألفية التي تحمل في طياتها أهداف ومؤشرات لقياس التقدم نحو تحقيق هذه الغايات، والتي تقع في (8) أهداف رئيسة، و(18) هدفاً فرعياً، و(48) مؤشراً للقياس، بتمويل من الدول الأعضاء بواقع (0.7%) من ناتجها الإجمالي.
تم عقد عدد من القمم العالمية والمؤتمرات الدولية التي سعت إلى بناء رؤية تنموية مشتركة تتجاوب مع الاحتياجات القائمة والتحديات المستجدة، في إطار الشراكة على المستويين الوطني والدولي من أجل تحقيق الأهداف المستهدفة. وتناولت تلك القمم والمؤتمرات كماً مختلفاً من المجالات منها: السكان، والتنمية الاجتماعية، والمرأة والمساواة بين الجنسين، والمستوطنات البشرية، والأطفال، والشيخوخة، والتعليم، وحقوق الإنسان، وتقنية المعلومات والاتصالات، والتنمية المستدامة وغيرها. من أجل المساعدة في بلوغ الغايات التي ينشدها المجتمع الدولي.
يتبنى إعلان الألفية مجموعة من الأهداف التنموية المترابطة ضمن جدول أعمال دولي شامل تُعرف بـالأهداف التنموية للألفية، وهي كالتالي:
- الهدف الأول: القضاء على الفقر والجوع الشديدين.
- الهدف الثاني: تحقيق التعليم الابتدائي الشامل.
- الهدف الثالث: تعزيز المساواة بين الجنسين / النوع الاجتماعي وتمكين المرأة.
- الهدف الرابع: خفض نسبة وفيات الأطفال.
- الهدف الخامس: تحسين الصحة الإنجابية (صحة الأمهات).
- الهدف السادس: مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز / السيدا) والملاريا والأمراض الأخرى.
- الهدف السابع: ضمان الاستدامة البيئية.
- الهدف الثامن: تطوير شراكة عالمية للتنمية.
يتضمن كل هدف في طياته غايات رقمية ينبغي تحقيقها بحلول العام (2015م)، ومؤشرات محددة لمراقبة مستوى التقدم في بلوغ الأهداف. وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى هذه الأهداف والغايات والمؤشرات كمؤشرات لمراقبة التقدم على صعيد البلد الواحد وليس كتعليمات صارمة.
تساهم الأهداف التنموية للألفية في تعزيز الاستراتيجيات الهادفة إلى تحقيق الأهداف الأخرى المتفق عليها دوليا خلال القمم العالمية والمؤتمرات الدولية المنعقدة في التسعينات. وتستند الأهداف التنموية للألفية على نتائج المؤتمرات الدولية بهذا الشأن؛ فالغايات المتعلقة بالصحة الإنجابية (القاهرة، 1994) والائتمان الميكروي متناهي الصغر (واشنطن، 1997) على سبيل المثال، ستستخدم في العديد من الحالات لمراقبة التقدم في مجال التنمية البشرية. وعلى نفس النسق تقاس بقية الأهداف.
تكمل الأهداف التنموية للألفية بالالتزامات والأهداف ذات العلاقة التي اعتُمدت منذ «قمة الألفية، منها الإعلان الوزاري لمؤتمر الدوحة (نوفمبر 2001) وتوافق مونتري Monterrey المعتمد خلال المؤتمر الدولي حول تمويل التنمية (مارس 2002).
تقوم أجهزة الأمم المتحدة بمتابعة الأهداف التنموية للألفية على المستويين الدولي والمحلي. فعلى المستوى الدولي يرفع أمين عام الأمم المتحدة تقارير سنوية إلى الجمعية العامة حول تطبيق إعلان الألفية كل خمس سنوات يحتوي على مراجعة شاملة للتقدم المحرز نحو الأهداف التنموية للألفية. أما على صعيد البلد الواحد، فإن تقارير أو قياسات الأهداف التنموية المحلية للألفية تتجه إلى المساعدة في إدماج القادة وصانعي السياسات ومتخذي القرارات العليا في تبني هذه الأهدافٍ، وإلى حث مشاركة المجتمع المدني والنخب المجتمعية، ووسائل الإعلام في النقاشات والمداولات حول التنمية البشرية. فالهدف المحوري لتقارير الأهداف التنموية للألفية هو إطلاق وتحفيز العمل والحركة المتسارعة للتقدم نحو بلوغ الأهداف التنموية للألفية. هذا على المستوى المحلي.
أما على مستوى المنظومة الدولية فإن الأمين العام للأمم المتحدة ينطلق من التقارير المحلية الخاصة بكل دولة في تقديم تقرير شامل للأمانة العامة عن المتحقق من الأهداف التنموية للألفية لكافة الدول. على اثر ذلك يتم تسليط الضوء على المسائل الرئيسة التي قد تبرز عند إعداد تقرير مراجعة كل دولة على حدة حول الأهداف التنموية للألفية. مع الأخذ في الاعتبار تدرج نتائج تقييم التقارير لكل هدف من الأهداف التنموية للألفية بحسب ما تجريه مكاتب التقييم التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حيث يشتمل كل هدف من هذه الأهداف على مستويات مستهدفة ومؤشرات أكثر تحديداً وضعت وصممت لتوفير المقاييس اللازمة لتقييم التقدم الذي تحرزه الدولة المعنية في سعيها لتحقيق هذه الأهداف.
تأتي الأهداف التنموية للألفية لتكون بمثابة الإرشادات اللازمة لتطوير السياسات والبرامج المحلية والعالمية. وكذلك باعثة للتعاون بين المؤسسات العالمية (مثلاً: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للأغذية والزراعة، والصندوق العالمي المالي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية)، والحكومات الوطنية، والبنوك، والشركات، والمجتمع المدني.
إن الأهداف المحددة، والمستويات المستهدفة والمؤشرات الخاصة بالأهداف تعطي تصوراً متكاملاً لاحتياجات التنمية البشرية الرئيسة والخصائص المتعلقة بكل دولة على حدة.
يؤدي فهم التقدم والوقوف على المعوقات في بلد ما بالنسبة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية إلى إيجاد تقدير متكامل، ومتعدد المستويات، ومتسع القواعد للوضع الإنساني خاصة فئة الشباب وما يعانيه من قصور في الاحتياجات الضرورية وما يتطلع إليه من رغبات مأمولة، وما يواجهه من تحديات تصطدم مع تلك الآمال التي بدورها تنعكس على سلوكه سلباً أو إيجاباً بحسب المتحقق من الحاجات الضرورية أو المتطلع إليه من الكماليات التي قد ترتقي إلى درجة الحاجيات عند فئة عريضة من الشباب.
مع استمرار القصور في عدم تلبية متطلبات الشباب فإن ذلك يؤدي بدوره إلى تحولات في سلوكهم باتجاه الإضرار بمجتمعاتهم وتحول البعض منهم من مرحلة السوية إلى براثن الانحراف. وبالتالي سريان الاضطرابات الأسرية، والزعزعة المجتمعية، والتوترات الطبقية، والتحولات الفئوية المفضية إلى نماذج سلوكية تنتهج إقصاء الآخر ولا تحتكم إلى لغة الحوار، وتتمحور في زمرة مقصية لا تكترث بمقومات التنمية وحجم الإنفاق عليها والجهود البشرية التي بذلت في سبيل إنجازها.
في حين أن الشباب يمتلكون حلولاً مبدعة لمعالجة المشكلات التنموية التي تعيق الدول وتُعجز عنها الحكومات، ولاعبين نشطين في مساعدة مجتمعاتهم ودولهم لتحقيق الأهداف الإنمائية للتنمية الألفية التي لا تتعارض أو تضعف بأي شكل من الأشكال معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا، ذلك لأن الأهداف التنموية للألفية تقدم نقاطا مرجعية يمكن الاستناد إليها لقياس التقدم على صعيد حقوق الإنسان والحماية الاجتماعية.
مع وضوح الروابط والعلاقات بين الدول في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية ومن خلال الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، إلا أنه لم يحدث التوافق الذي يفضي إلى إيجاد الطرق الكفيلة بمعالجة المشكلات العالمية والإقليمية وحتى المحلية بطريقة منسّقة يتم فيها اقتسام الأعباء والمسؤوليات بعدالة. وبهذا أصبح من المسلم به أن الاضطرابات في منطقة ما يمكن أن تنتشر بسرعة لتعمّ المناطق الأخرى وبأشكال عديدة يأتي الانحراف الفكري، والتطرف، والإرهاب، والجريمة المنظمة، والصراعات المسلّحة، في مقدمة هذه المخاطر. ناهيك عن التلوث البيئي، والأوبئة والأمراض مثل كرونا وإيبولا والإيدز التي تظهر وتنتشر بشكل سريع تقف الحكومات حائرة أمام السيطرة عليه وتوفير دواء لعلاجه ناهيك عن إيجاد مصل واق.
إذا كان هذا جانب من المخاطر العلنية التي تسمح القيم المجتمعية بالإعلان عنها وظهورها فما بالنا بالمخاطر المستترة «الخفية» التي لا تسمح القيم في مجمل المجتمعات بظهورها والإعلان عنها وتشكل في واقعها ضرراً حاداً على الفرد والمجتمع ومهدداً للتنمية ومهدراً لطاقاتها، ومن ذلك الفساد، والعنصرية، والإدمان الرقمي «المخدرات الرقمية» حيث حلت المخدرات الرقمية كبديل عن المخدرات التقليدية وأصبح الإدمان الإلكتروني أكبر تحدياً للأجهزة العدلية في مجال تهريب واستخدام المخدرات. والمخدرات الرقمية عبارة عن جرعة إلكترونية اكتشفت على يد عالم ألماني في عام (1839م)، وفي عام (1970م) دخلت كعلاج في الطب النفسي، وفي عام (2006م) دخلت مجال الاستثمار غير المشروع من قبل شركات متخصصة تصنعها في عبوات إلكترونية على شكل موجات لا صوتيه (MP3 فاز) تباع من خلال الإنترنت قيمة الجرعة تتراوح ما بين (3 - 30) دولاراً. ثم تستخدم من خلال جهاز الكمبيوتر وسماعات بحيث إذا أخذها الشخص المتعاطي أحدثت مفعول جرعة المخدر التقليدي من التشنجات والاسترخاء لأنها تحاكي خلية التخدير في المخ ثم تتلفها بالتدريج، وتطور الشركات الجرعات بأسلوب احترافي بحيث يتم الاعتماد على المخدر بمعدل متزايد وهذا منتهى الخطر، ناهيك عن أنها قد تستخدم على مقدار بضعة أمتار من أفراد الأسرة دونما تعلم. إضافة إلى الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة ضمن ثقافة هامشية تختلط فيها السجلات وتشيع فيها الاختلالات التي تعرقل التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تنطلق من فكرة بسيطة لكنها قوية لخدمة المجتمع البشري من جهة وبسط شروط العولمة من جهة أخرى، في نسق يراعي مصالح الأقوياء ويدار لتحقيق مصالح الفقراء وتبني معالجة قضاياهم.